العدد 4251
الخميس 04 يونيو 2020
banner
دعوة لإنشاء مؤسسات وقفية مدنية
الخميس 04 يونيو 2020

على هامش ما تطرق إليه مقال السيد ضياء الموسوي عن مسيرة الأوقاف في عدد “البلاد” بتاريخ 3 يونيو ومن دون التطرّق إلى صلب المقال، رأيت أنه ربما يكون من المفيد، مساهمة في تعزيز دور أدارة الأوقاف الشرعية في العمل الخيري، أن أعيد نشر هذا المقال لتعميم الفائدة المرجوة لقراء “البلاد” الأعزاء.

يعتبر نظام الوقف الإسلامي من أقدم المؤسسات الخيرية الخاصة في تاريخ العالم. ولاشك أنه توجد لدى وزارات الاوقاف ودوائرها في العالمين العربي والاسلامي وثائق وسجلات تاريخية مفيدة فيما يختص بالاوقاف الخيرية سواء من حيث مصادرها أو من حيث أغراضها المتعددة.

وبدءا بالعصر الاموي والعباسي، حتى العصور المتأخرة، كانت تشاد بأموال الاوقاف المستشفيات العامة (البيمارستانات) ودور العجزة والايتام والكثير من المدارس والمؤسسات الدينية.

ومن يراجع سجلات الاوقاف في البحرين ووثائقها سوف يكتشف ما يدل على سعة التفكير عند بعض الواقفين، أو نقيض ذلك عند البعض الآخر. فمن قبيل سعة التفكير ذلك النوع من الاوقاف التي تتجاوب مع متطلبات هذا العصر وعلى الاخص فيما يتعلق بالمحافظة على البيئة وتمويل الخدمات الاجتماعية والعلمية.

ومن قبيل ذلك تلك الاوقاف التي رصدت للتعليم، وأخرى لتشجيع العالم الذي له أهلية التصنيف من علماء البحرين والخطيب الذي له أهلية التوجيه والإرشاد، بل إنه وجدت بعض الوقفيات مخصصة لصيانة الطرق وإزالة الحصى من دروب المسلمين.. وأخرى لحفر العيون وآبار الماء وارواء السابلة.. وما شابه ذلك.

وكل ما تقدم ذكره يتعلق بالجانب الايجابي من الوقف. إلا أن هناك جوانب سلبية كثيرة منها ما يتعلق بتخصيص الوقف في حدود ضيقة تبعا لنص الوقفية، ومنها ما يتعلق بـ “الولاية“ على الوقف، ومنها ما يتعلق بالادارة وحرية التصرف في الاوقاف.

ويمكن إجمال تلك السلبيات في عدد من النقاط والملاحظات فيما يلي:

١. أن جميع الوقفيات العينية أو معظمها تقريبا لابد وأن تحمل هذا النص أو ماشابهه: “وقفا مؤبدا وحبسا مخلدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”. ثم الآية الكريمة: “فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (البقرة 181).

ومن واقع التجربة التطبيقية نرى أن هذا النص يقف عائقا أمام تحقيق الفائدة المرجوة لدى الواقف من العين الموقوفة، كما تدل على ذلك الامثلة التالية بالنسبة للاوقاف الجعفرية: المثال الاول: وقف الذرية وهو يكاد أن يكون اكثر الاوقاف انتشارا، وبموجبه يرصد الواقف منزلا أو بستانا أو أرضا أو عقارا من أي نوع، ليكون العقار أو الدخل موقوفا على أفراد ذريته. وفي هذه الحالة قد تستفيد الذرية لاسيما المحوجين منهم بتوفير السكن في بداية الوقف إلى أن يكثر العدد بمرور السنين وتتضاءل حصص الورثة ومن يرثهم فيه، ويكون ذلك مدعاة لنشوء الخلاف ثم النزاع والتخاصم. أما العين الموقوفة فتتعرض للإهمال فتتصدع أو تنهار بمرور الزمن ويتفتت نصيب الورثة فيها حتى تنتفي الفائدة المرجوة.

والمثال الثاني: وقف المساجد والمآتم ودور العبادة وقد يكون ثاني أكبر اغراض الوقف التقليدي. وكثيرا ما يحدث – نتيجة للتطور العمراني ونشوء مدن جديدة – أن تبتعد تلك المساجد عن موقع الكثافة السكانية فتصبح مهملة على جوانب الطرق، أو عقبة أمام شق الطرق الجديدة. وتبقى الاموال المخصصة لها محبوسة عليها.

وفي المقابل توجد أوقاف لمساجد ومآتم توصف بأنها “غنية“ بسبب التطور العمراني وارتفاع حصيلتها من الإيجار بسبب الموقع، ثم تتراكم المبالغ الزائدة عن مصرف الموقوف له، ولا تستطيع ادارة الوقف التصرف في الاموال الزائدة لصرفها في المشروعات الخيرية لكونها محبوسة على ذات الوقف. وفي أحسن الحالات التي بذلت فيها ادارة الاوقاف جهودا كبيرة لاستصدار فتاوى شرعية لم يسمح بالتصرف في تلك الاموال الا في وجه واحد هو تقديمها كقروض لاستصلاح أوقاف اخرى ثم استعادتها من دخل المستصلح منها. ومع ذلك فقد اعتبرت هذه الخطوة بادرة ايجابية مفيدة من قبل ادارة الاوقاف السابقة. لكنها ظلت عاجزة عن تلبية المطلب الاجتماعي الملح بإنفاق المال الزائد على مشروعات خيرية عامة أو التبرع بها لنفس الغرض، وذلك بسبب النص الصريح في تلك الوقفيات. واللوم هنا لا يقع على الادارة وانما على نص الوقفية.. اللهم إلا إذا أذنت الفتوى الشرعية خلاف ذلك وهو أمر غير محتمل في معظم الاحوال.

لكل تلك الاسباب، نلاحظ أن ادارة الاوقاف الشرعية لا تستطيع – رغم ضخامة الموارد المالية المتوافرة تحت ادارتها – أن تمد يد المساعدة لمشروع خيري، فضلا عن أن تباشر بنفسها تأسيس أو تمويل مشروعات خيرية ليست لها أملاك موقوفة عليها. وحتى لو وجدت أوقاف لمشروعات خيرية عامة بلا تخصيص، فإن حصيلتها تكون في الغالب قليلة نظرا لانصراف معظم الواقفين عن هذا النوع.. أما بسبب ضيق التفكير أو عدم انتشار الوعي، أو ربما عدم الراحة النفسية لديهم لتفويض أمر صرف الاموال الوقفية الى مجالس ادارة الاوقاف.

ولمعالجة هذا الوضع، فإن امام ادارات الاوقاف لدينا مسؤولية توعية الجمهور و محبي أعمال الخير بجميع الطرق المتاحة (خطابيا وإعلاميا، واستصدار الفتاوى الشرعية) وذلك بهدف تشجيع الوقف الخيري للنفع العام دون تخصيص لكي تساهم ادارات الاوقاف في المشروعات الخيرية في مجال التعليم والتدريب والصحة والاسكان الى غير ذلك. وهو أمر اصبح أكثر إلحاحا اليوم بسبب تراكم المشاكل الاجتماعية وتفشي البطالة، وفي العهد الميمون للاصلاح الشامل، أصبح من اللازم إجراء تطوير ملموس في أنشطة ادارات الاوقاف وتنويع مصادرها وطرق مساهمتها في تحقيق التقدم الاجتماعي.

المؤسسات الخيرية ودورها: تعتبر الصناديق الخيرية المنتشرة اليوم في أنحاء البحرين ةلرافد الاساس للاعمال الخيرية، وهي تضطلع بدور أساس ومهم في توجيه التبرعات والصدقات للصرف على الاعمال الخيرية. والمشكلة التي تواجهها تلك الصناديق والجمعيات – اذا صرفنا النظر عن مشاكل الادارة والوسائل والاهداف – هي قلة الموارد المالية لديها. فهي تعتمد على رسوم اشتراكات الاعضاء والتبرعات التي تصلها.

كما انها لا تملك مصادر مالية متجددة ذاتيا. فهي تصرف بقدر ما يصلها من إيراد.

ومن المعروف أن في بلدان العالم الحديث، توجد مؤسسات خيرية تعتمد على مصادر ذاتية متجددة. وهي أيضا تسمى بمؤسسات خيرية لتمييزها عن الصناديق الخيرية.

وتنشأ تلك المؤسسات الخيرية حين تقوم جهة ذات قدرة مالية كبيرة، أو مجموعة من الجهات والافراد من محبي الخير، بتخصيص مبالغ كبيرة من الاموال أو الاملاك القيمة لانشاء مؤسسة للاعمال الخيرية وتسجيلها لدى كاتب العدل وتكوين إدارة تكون مسؤولة عن تحقيق اغراض المؤسسة، والمحافظة على استمراريتها واستمرار مشروعاتها وأعمالها. فهي ليست وقفا شرعيا يدار من قبل الاوقاف وإنما هي وقف خيري ذو صفة مدنية، يتم تسجيله كمشروع مؤسسي. ومن أمثلة ذلك في العالم مؤسسة فورد الخيرية، ومؤسسة روكفلر، وفي البرتغال مؤسسة كولبنكيان المشهورة، وفي بريطانيا مؤسسة (ولكام) التي تملك وتدير مشروعات ومنتجات تجارية وصحية كبيرة مخصصة أرباحها للمشروعات الخيرية.

ومن هنا نشأت منذ بضع سنوات لدى عدد من رجال الاعمال ومحبي الخير فكرة إنشاء مؤسسة للمشروعات الخيرية. وهي فكرة لم تر النور حتى الآن، ولكن ذلك لا يمنع من استمرار المحاولة لانشاء رافد جديد للاعمال الخيرية، حيث تتبنى هذه المؤسسة انشاء مشروعات اقتصادية ذات جدوى في المجالات الصناعية والاستثمارية والخدمات وغيرها.. وتخصيص أرباحها للصرف على أعمال الخير وامتصاص العمالة الوطنية وتدريب القوى العاملة، والمساهمة في شؤون الصحة والتعليم وغيرها. ومثل هذه المؤسسات يكون شعارها “ساعد نفسك”، فهي تدرس الاسباب والعقبات التي تحول بين شخص ما والحصول على عمل مجزٍ، أو الترقي في ذلك العمل. وهي تقوم بتذليل تلك الصعوبات، سواء عن طريق التعليم أو التدريب أو العلاج أو تزويد الحرفيين بالادوات والمواد للابداع في حرفهم أو أعمالهم. أن سياسة المؤسسة تقوم على أساس مساعدة الفرد على كسب عيشه بنفسه ليتحول من عاطل الى شخص منتج. ولاشك ان هذه القاعدة هي أساس نهوض المجتمعات وازدهارها.

وفي الختام أرجو أن اكون قد استطعت إعطاء هذه الفكرة العامة الموجزة عن ضرورة تطوير اسس ومفاهيم العمل الخيري بدءا بدوائر الاوقاف مرورا بالصناديق والجمعيات الخيرية.. وانتهاء بجدوى انشاء موسسة للمشروعات الخيرية

تقوم على مفاهيم حديثة متطورة مع العصر وحاجات المجتمع المتجددة.

المصدر: أحاديث وسير للمؤلف

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية