العدد 4215
الأربعاء 29 أبريل 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
لمن يتباهون بعدد الركعات!
الأربعاء 29 أبريل 2020

مما لا ريب فيه أن شهر رمضان المبارك فرصة إلهية ذهبية لأمة المسلمين كافة؛ يحمل لهم – فيما يحمل - رسائل ودعوات روحانية، تناديهم بالعودة إلى فطرتهم الإنسانية السليمة، ومغالبة نوازع السوء، وتغليب الخير؛ لذلك فهو شهر موسوم بالعطاء، والبركة، والرحمة؛ تجد القلوب فيه لينة ورخوة، تعيش السكينة والهدوء النفسي، لأنها تتوجه جميعها – بقصد ونية مُسبقين – لإنجاح صيامها؛ فتحسن معاملاتها، وتُجهز عدتها العبادية من صلوات وأدعية، وتراها في حرص شديد على الإكثار منها، بل تختم القرآن أكثر من مرة خلال الشهر، وهنا – في هذه الجزئية بالذات – وقفتنا! قد يقول البعض: هذا مدهش، وفيه إيمان بيّن، وطاعة شديدة، ولا شك أننا لا نختلف في النوايا الطيبة، التي تقصد وجه الكريم، وأجره وثوابه، غير أنه يحرم المرء منا من التفكير، والتأمل، والتدبر، بل التذوق.

إن إنعاش القلوب، وتجديد العهود الإلهية، وتعزيز الحالة الروحانية وتقويتها، لا يتم من خلال مئات من كتب الأدعية، ولا عشرات الركعات، أو الختمات القرآنية المتكررة؛ إنها تحتاج إلى عقل يعي كل حرف صغير، في كل هذه العبادات، وهذا لا يتم والواحد منا، في لهاث... كأنه في قطار سريع، عليه أن ينجز عشرات المهام، في مدة قصيرة، ثم يصفق لنفسه أنْ أدى ما عليه وزيادة! والحقيقة أنه اشتغل محاسبًا يعد الأرقام، ويقسمها، ويجمعها! وإذْ ذاك؛ أغفل ما وراءها من قِـيَّم، وأغراض، ترتقي بروحه، وترفعها درجات. كل ما نحتاج إليه هو التركيز، وتسليط مزيد من الضوء على ما نقرأ أو نردد من صلوات، فإن الجري – بغرض الجري نفسه – سيُفقدنا كثيرا من التعلم، والكشف عمّا ورائيات هذه العبادات السامية، وسيخرجنا صفر اليدين، بلا لذة روحية حقيقية، وبذلك نكون خسرنا ما ظننا أننا كسبناه!

يحتاج مجتمعنا المسلم إلى عبادة تتجاوز الكم إلى الكيف، إلى الارتقاء بالعبادة فكريًا وعقليًا، وهذا يتطلب بذل جهد، وإعمال عقل، ووقفات بحث وتأمل وحوار، ومناقشة – على المستويين الفردي والجماعي - وما لم يكن الأمر كذلك؛ فسنبقى نتفاخر بكم ركعنا، وكم ختمنا! وسيظل المحتوى فارغًا، لا يُقدم ولا يُؤخر! ألا ترون أن كثيرا من الجهات تتباهى بكم حفظ أفرادها من قرآن، وتُدهَش ممن يتجاوز حفظ السور إلى أرقام الصفحات، وفي المقابل، ندر أن خرجت علينا مسابقات تهتم بالفهم، وتتجاوز التفسير إلى التدبر، وقياس مستوى الوعي. هذا الشهر كريم؛ لا لأن سفرتك عامرة بالملذات، ولا لأنك فاتح جيبك للآخرين تكرّمًا! إنه كذلك؛ لأن المولى أكرمك فيه بقلب منفتح للخير، وعقل مُستعد جاهز للتدبر، فلا تخسر الكيف لصالح كم زائف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية