العدد 4198
الأحد 12 أبريل 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
لننشر ما بأعماقنا ونرتاح!
الأحد 12 أبريل 2020

الحياة تضع في طريقنا الكثير من الوقائع والتحديات، بعضنا يعتقد أنها عقبات، والبعض الآخر يظن أنها اختبار لقدراته الذهنية والفكرية، بهذا الوقت الدقيق الحساس، هناك من يعيش الرعب كل دقيقة، هواجس، مخاوف، وساوس... وهناك على النقيض بالضفة الأخرى من يأخذ الوضع الراهن بسلاسة وراحة بال وهدوء، تراه يعيش ويتحرك ويحتفل مع أفراد أسرته، شواء واجتماعات وأحاديث ودية بين الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد، حياة تخلو من الرعب الذي تعيشه المجموعة الأولى حيث تأكلها الهواجس والظنون، هذه طبيعة البشر، خصوصا بالظروف الاستثنائية كالتي نمر فيها اليوم.

التأمل وإشغال الوقت بمختلف الخيارات المتاحة لنا كالعمل والقراءة والرياضة والاندماج في شؤون الحياة بكل ما تمنحه من خيارات هو السبيل السديد للخروج من نسيج هذه المحنة العالمية التي تركت آثارها على سكان الكرة الأرضية جميعا لأول مرة بالتاريخ الحديث، ولو تأملنا شعوب العالم وقارنا حالنا بالجميع سندرك أننا ربما أفضل حالاً من كثير من الشعوب الفقيرة والدول التي لا تملك موارد، وبالتالي لم تتمكن من معالجة الأزمة كما نحن، ولابد أن نشكر الحياة التي أتاحت لنا هذه الفرصة كي نعيش بهدوء وسلام وخيارات عدة لا تتاح لغيرنا، وهذا وحده يكفي لنجعل من محيط الحياة مجالا للتنفس والاسترخاء والتفكير بهدوء بعيدًا عن التوتر والقلق، فلأول مرة تتاح لنا فرصة الاختلاء بأنفسنا والإفلات من دائرة الضوضاء والزحمة والصخب إلى محيط أشبه بالعزلة الاختيارية مع كل ما توفره الحياة ذاتها من إمكانيات ملهمة تجعلنا نستغل هذا الوقت بالذات لتحقيق كثير من الإنجازات التي لم يترك عالم الضوضاء فرصة لنا للوقوف والتفكير والتأمل والعمل بأسلوب مختلف ورؤية مغايرة.

البعض ممن يتبرم ويتوتر ويغضب لأدنى سبب لم ير من الحياة جوانبها الأخرى التي تكفل خيارات ربما أكثر فاعلية من الفترة الماضية التي شهدت ركضا وهرولة وصراعات وحروبا فيما بيننا وبين أنفسنا والآخرين، هذا الوقت هو المناسب للعودة لطبيعة الحياة الهادئة المسالمة والتفكير المركز البعيد عن الانفعالات العاطفية السريعة، لو تبصرتم بهذه الرؤية صدقوني سترون في هذه المحنة رغم ما فيها من فقدان وخسائر وحزن، إلا أنها وقت مختلف تماماً عن كل الأوقات السابقة التي مررنا بها ويمكن استغلال هذا الوقت في تغيير العادات والمفاهيم والسلوكيات الخاطئة التي كنا عليها طوال العقود الماضية... لماذا نستعجل العودة للضوضاء والصراعات؟ المشكلة فقط في البعض ممن لم تغيرهم الأزمة الراهنة، بل زادتهم سوءا وشرا وكذبا وتلفيقا ونفاقا وكأنهم كانوا ينتظرون هذه المحنة لإخراج بقية الشرور الكامنة فيهم. مع أن المفروض هو أن تعلمنا هذه المحنة كيف نتخلص من الشر بداخلنا؟ ونخرج للحياة أجمل ما فينا.

 

تنويرة:

كثرة العثرات تفرض عليك أن تغير طريقك.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .