+A
A-

نصائح "ابن سينا": قاوموا الوباء بالتعقيم ومنع التجمعات وصلوا في المنازل!

يقول العالِم الطبيب "ابن سينا": "الوهم نصف الداء، والإطمئنان نصف الدواء، والصبر بداية الشفاء"، وهى مقولة نحتاجها دليلاً لتفكيرنا وعلاجاً لنفوسنا خلال هذه الأيام القلقة التي نعيشها نحن والعالم.. لقد مرت شهور على الحجر الصحى وحظر التجمعات، وأصبحت وسائل الوقاية الذاتية والجماعية من الإصابة بفيروس "كورونا" جزء من الثقافة اليومية للمواطن العالمي، وصعوبة هذه الوسائل أنها تكافح فيروسات دقيقة للغاية، لا تُرى بالعين المُجردة، ومن بين المخاطر التي يعانيها المواطن العربي جهل البعض بوسائل الوقاية السليمة، وتمسكه ببعض العادات اليومية الخطيرة، ومنها التجمعات والتصافح والعناق، ومن المُدهش أن تأتينا نصائح العلامة الطبيب "ابن سينا" بعد ألف سنة من وفاته، وهو يتجسد بالصوت والصورة ليحدثنا عن وسائل الوقاية من الوباء، وتكون أهم نصائحه هى ألا نخاف؛ فالمرض يتغذى على الخوف.


في عام 1956 صدر فيلم سوفياتي بعنوان Avicenna "ابن سينا"، وهو دراما تاريخية تتناول حياة العلامة الفيلسوف والطبيب الذي وُلد فى مدينة "بُخارى"، وهى دولة "أوزبكستان" الحالية، وأبرز مشاهد الفيلم هى مشاهد مواجهة "ابن سينا" للموت الأسود في زمانه، وهو الاسم الذي أُطلق على وباء الطاعون القاتل، والمُدهش في تلك المشاهد هو معاصرتها الشديدة؛ فما يقوله "ابن سينا" على لسان الممثل "مارات أريبوف" لا يختلف عن نصائح "تيدروس جيبريسوس" مدير منظمة الصحة العالمية، أو خبراء الأوبئة والأطباء الذين تعاملوا مع المُصابين.


في أحد المشاهد يذهب "ابن سينا" وتلميذه للقاء العلامة "أبو الريحان البيروني"، وكان هذا اللقاء الأول بينهما، وقام "البيروني" للترحيب بابن سينا وفتح ذراعيه لمعانقته، لكن "ابن سينا" يتراجع للخلف رافضاً لمسه، ويطلب منه توفير ملابس جديدة له ولرفيقه، وووعاء به محلول خل لغسل أيديهما ووجهيهما، وهى نصائح لا تختلف كثيراً مع وسائل الوقاية من الإصابة بفيروس "كورونا"، واستعمال الصابون أو الكحول الإيثيلي لقتل الفيروس، ويندهش البيروني من طلب "ابن سينا" ويسأله "لدى أى شعب هذا النوع الغريب من العادات؟"، ويرد "ابن سينا" قائلاً "هذه العادات التى يجب أن تسود فى البلاد التي يُخيم عليها الموت الأسود". يدرك "ابن سينا" صعوبة تعامل العامة مع فيروس لا يرونه؛ ونحن نتحدث عن زمن لم يعرف الميكروسكوبات ووسائل رؤية الفيروسات كما هو الحال الآن، ونرى "ابن سينا" يُعرف الفيروس لتلميذه بدقة شديدة، كأنه يمتلك مُختبر عِلمي حديث، ويخبره أنه اكتشف أن جميع الأمراض المعدية تنتشر بسبب كائنات دقيقة لا يمكن رؤيتها، وهى تلتصق بكل شىء، مثل الملابس والوجه واليدين والشعر.


الفيلم الذي نتحدث عنه دراما تاريخية عن حياة "ابن سينا"، وأخرجه "جريجوري كوبرشميت"، وهو أول عمل يخرجه على الإطلاق، وأغلب الممثلين في الفيلم من دولة أوزبكستان الإسلامية التي كانت جزء من الإتحاد السوفياني القديم، قبل استقلالها عام 1991؛ ولهذا سنلاحظ دبلجة أصوات الممثلين في الفيلم من اللغة الأوزبكية إلى اللغة الروسية، وقد تم ترميم الفيلم عام 1979 واعتبره بعض المؤرخين من أهم أفلام أوزبكستان في المرحلة السوفياتية، والفيلم يركز على مراحل حساسة وفارقة في مسيرة "ابن سينا" كعالم وطبيب ألهم العالم كله، وقد عانى من الإتهام بالكفر بعد مطالبته الناس بعدم الصلاة في المساجد بسبب انتشار الوباء، لكنه أصر على رأيه، وطالب الناس بالصلاة في منازلهم لو رغبوا في النجاة بحياتهم من الطاعون بحسب موقع مجلة هي.


عدم الخوف من المرض من أهم تعاليم "ابن سينا" لمواجهة الوباء كما أبرزها الفيلم؛ وهو يركز على هذا الأمر في كل حواراته مع تلميذه ومرافقه الذى يمثل الشخص العادى الجاهل بأصول الوقاية، وهو يطالبه بمواجهة خوفه من المرض، ويُخبره أن الرعب يجعل الناس يُصابون بالمرض، وفي مشهد كوميدي يقوم الشاب بمواجهة هذا الكائن غير المرئي، ويصرخ فيه مهدداً ويسبه ويهون من شأنه، ويُثني "ابن سينا" على الروح المعنوية لمساعده ضاحكاً، ويحكي التاريخ أن "ابن سينا" من أوائل من اهتم بالحالة النفسية للمريض، وأول من نبه أن تحرير الناس من الخوف هو أهم قواعد الوقاية من المرض، وبالإضافة إلى ذلك نادى بغلق الأسواق والمساجد وأى تجمعات بشرية، وقد أقنع ولاة الأمر بإستخدام المنادين لنُصح الناس بالبقاء في البيوت وعدم التجمهر، وطالبهم بتعقيم النقود بالخل، وطالبهم بعدم الخوف، ونصح من يقوم بالعناية بمريض في منزله بمسح أنفه بقطن مبلل بالخل، ومضغ أوراق الشيح، والأهم بعدم التجمع والبقاء في المنزل، وعدم الخوف، بل طالبهم بالطمأنينة والمرح والغناء؛ لأن الوباء يهرب من السعادة والتفاؤل.