+A
A-

أبناء سلطان عثماني تاجروا بمخطوطات عربية لا تعوّض

يسود اعتقاد خاطئ، عند البعض، بأن المخطوطات العربية، أو الكتب العربية القديمة، ليست بذات القيمة التي يتصوّرها أبناء المنطقة العربية والبلاد الإسلامية، حالياً، خاصة إذا ما كانت تلك المخطوطات، ذات محتوى علمي ككتب الطب العربية التي أثبتت كفاءتها العلمية، منذ قرون.

ووصلت كفاءة كتب الطب العربية، إلى درجة أن ملك فرنسا لويس الحادي عشر والذي كان كثير القلق على صحّته، طلب أن تكون في خزانة قصرة نسخة من كتب الطبيب الرازي، لأنه كان "شديد الثقة بطب العرب ولديه اعتقاد راسخ بتفوقهم على غيرهم بتلك الصناعة" بحسب (اللغة العربية في أوروبا) لفيليب دي طرازي.

بوزن الذَّهَب

المخطوط المكتوب باللغة العربية، كان يمتلك حظوة كبيرة في العالم الغربي، خاصة في العصر الوسيط. وكان اقتناء مخطوط عربي، ميزة يتباهى بها حتى الملوك. وقد دفعت بريطانيا، ما يعادل وزن مخطوطات عربية، ذَهَباً، ابتاعتها سنة 1842م.

ويشار إلى أن المخطوطات العلمية التي لا وزن لها، على المستوى العالمي، معروفة ومصنّفة، وليست غالبية الكتب العربية منها، خاصة في الطب، وبعض كتب الحساب والفلك. وطريقة علاج العرب، للطاعون، مثلا، كما هو مثبت في مئات الكتب العربية حتى الأدبية منها، استعملت حتى القرن الثامن عشر، كما أقر بذلك الطبيبان البريطانيان الشقيقان، ألكسندر وباتريك راسل. حيث أوصيا، بالفَصد، واستعملاه بالعلاج، إلا أنهما أكدا أن هذا يجب أن يكون في اليوم الأول للمرض، حصرياً، وبذلك أضافوا على ما أخذوه عن العرب، وطوّروه، وهما العارفان بتطور الطب في التاريخ الإسلامي، ونشرا ملحقاً بأهم الكتب الطبية العربية والإسلامية.

امبراطور ألمانيا الشغوف بالكتب العربية

ومن حوادث التعلق الشهيرة بالمخطوطات العربية، تلك التي حصلت مع الامبراطور الألماني غليوم الثاني، لدى زيارته دمشق، أيام خضوعها للحكم العثماني، حيث وبأمر من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، بعد تمنٍّ من الامبراطور الذي زاره إلى تركيا، تم فتح مكتبة الجامع الأموي التاريخي والعريق في العاصمة السورية دمشق، والكشف عن أسرارها.

وبحسب المفكر والمؤرخ السوري المشهور محمد كرد علي في (خطط الشام) فإن هذه المكتبة المشهورة التي "بعثرت" في عهده، كانت تمتلئ بمجموعة لا تقدر بثمن من مخطوطات القرآن الكريم وكتب أخرى.

وقال كرد علي في خططه إنه لما فتحوا ما تعرف بخزانة قبة الجامع الأموي، كان من ضمن ما وجدوه فيها، أشعار مكتوبة باللغة الآرامية القديمة! وهي من نفائس المحققين والشغوفين بالألسنيات وتاريخ الشرق القديم، ومخطوطات مكتوبة باللغة اليونانية. ويقول إنهم وجدوا أوراقا مكتوبة باللغة القبطية، وباللغة الأرمنية، ومخطوطات باللغة العِبْرية من ضمنها نسخة من التوراة، بحسب تأكيده.

السلطان العثماني يوزع على موظفيه أنفس المخطوطات

ويلفت كرد علي، أن السلطان العثماني كان أهدى من هذه المخطوطات للإمبراطور الألماني الشغوف بالمخطوط العربي والتاريخ الإسلامي. والعجيب أن السلطان العثماني وزّع بعضاً من هذه النفائس التي لا نظير لها، على بعض رجاله في الأستانة، يقول كرد علي.

الكارثة التي حلت بالمخطوطات العربية النفيسة النادرة والمخطوطات العِبْرية والأرمنية واليونانية والقبطية، بعد قيام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، بتوزيع جزء أساسي منها على موظفيه ورجاله في الأستانة، لم تتوقف عند هذا الحد. تقول الكتب إن المخطوط العربي كان على موعد، في وقت لاحق، ليباع على يد أولاد السلطان العثماني عبد الحميد، بعد خلعه من العرش!

أبناء السلطان يتاجرون بالمخطوط العربي

ورد في (اللغة العربية في أوروبا) أن السلطان عبد الحميد الثاني كان شغوفاً بالمخطوطات القديمة، وكان يجمع منها ما طالته يداه، في خزائن قصره في الأستانة. وكان السلطان المذكور يتباهى بما لديه من مخطوطات أمام الملوك والعظماء، إلا أن أولاده قاموا ببيع عدد من تلك المخطوطات في العاصمة اللبنانية بيروت. دون أن يوضح الكتاب كيفية حصولهم على تلك الكتب النفيسة، إلا أنه يشير إلى أنهم "التقطوها من بلاط السلطان المخلوع".

وقال الكتاب إن أولاد عبد الحميد الثاني باعوا "أندر وأفخر" المخطوطات العربية، وغير العربية. وهذا ما يؤكد كلام المؤرخ السوري محمد كرد علي، بأن مقتنيات خزانة الجامع الأموي التي فتحت بأمر من السلطان العثماني الذي أخذ قسماً منها وأهدى قسماً آخر لضيفه الألماني، عندما قال عنها إنها "بعثرت في عهدنا".

ومن الجدير بالذكر أن مؤلف (اللغة العربية في أوروبا) اللبناني العراقي الأصل، كان حصل على بعض من المخطوطات التي باعها أولاد السلطان العثماني، على ما ذكر في كتابه. إلا أن مخطوطات كثيرة لم يعرف مصيرها. كذلك لم يعرف عدد المخطوطات العربية التي فرّط بها أبناء السلطان العثماني. ويشير المؤلف إلى مفاجأة أخرى في سياق التفريط بإرث اللغة العربية، بأن أحفاد السلطان عبد الحميد، أيضاً، قاموا ببيع ما حصلوا عليه من مخطوطات عربية.