العدد 4137
الثلاثاء 11 فبراير 2020
banner
ركاكة الشراكة الروسية التركية الإيرانية في سوريا بأبعادها الإقليمية (1)
الثلاثاء 11 فبراير 2020

ليسوا وحدهم شركاء تفاهمات “أستانا” حول سوريا في حلقة الشكوك المتبادلة والتموضع على حساب الآخر إقليمياً عبر البوابة السورية، بل إن اللاعِبيّن الأميركي والإسرائيلي يتداخلان مع الثلاثي الروسي – الإيراني – التركي ميدانياً وفي إطار التنافس الاستراتيجي الإقليمي.

الرئيس السوري بشار الأسد مازال حيويّاً للديبلوماسية الروسية لأنه مفتاح شرعنة تواجدها في سوريا عسكرياً واستراتيجياً على أساس أن هذا التواجد أتى بدعوة من الحكومة السورية عكس الغزو والاحتلال الأميركي للعراق – من وجهة النظر الروسية. قد يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فخوراً بإنجازاته في سوريا انطلاقاً من استعادة الهيبة الروسية التي كان الغرب قد حاول اقتلاعها عبر البوابة الليبية وانتهاءً بالتموضع استراتيجياً على البحر الأبيض المتوسط في قواعد عسكرية شبه دائمة لعقود.

لكن فلاديمير بوتين ليس في منتهى الاطمئنان لأن سوريا مازالت مشروع تورّط في مستنقع أو في مواجهات واستنزاف، وهو لا يثق بالنوايا والادعاءات الأميركية ولا بشريكيه الإيراني والتركي في الميدان السوري، علاقته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم تكن يوماً منبثقة من ارتياحٍ له بل رافقتها دوماً الشكوك بغاياته ونزاهته وطموحاته والاضطراب من شخصيته، فما يجمع الرجلان من قاسمٍ مشترك يفرّقهما، إذ إن كل واحد منهما مصابٌ بالغرور والغطرسة ولا يطيق الآخر في عمقه.

ما حدث هذا الأسبوع من اشتباكات روسية – تركية في سوريا كان متوقعاً وهو خطير، والأخطر لربما آتٍ لأن مشروعي بوتين وأردوغان يتضاربان جذرياً إقليمياً فيما يتعاونان سورياً، فأردوغان يتبنى عملياً إدارة طموحات جماعة “الإخوان المسلمين” ويدفع بها بأي ثمنٍ كي تشق له طريقه إلى مجد قيادة السُنّة، أما بوتين فإنه يعتبر هذه الجماعة وكل أدوات القتال التي يستخدمها أردوغان إرهابية وتدميرية للطموحات الروسية. طاقة بوتين على تحمّل مشاريع القيادة الإسلامية تتّسع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر من هضمها المشاريع التركية بالرغم من أن كليهما شريك ميداني في سوريا.

فإيران حليف استراتيجي لروسيا تكرّس أذرعها للقتال بجانب روسيا دعماً للنظام في دمشق، لكنها تبقى بحسب التفكير الروسي شريكاً صغيراً junior يسبّب لها مشاكل كبيرة. علاقة روسيا بإسرائيل، مثلاً، متطوّرة بالذات في سوريا، بما لا يناسب إيران، وهناك علاقة شخصية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي نجح بأن يبدو مدلّلاً ليس فقط لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بل أيضاً لدى بوتين وأردوغان معاً، حسب مزاعمه. فقد صرّح نتانياهو هذا الأسبوع ساخراً بأن أردوغان يسمّيه “هتلر” لكن التجارة بين إسرائيل وتركيا “منتعشة”.

وفي خِضمّ المعركة بين تركيا من جهة والمحور الذي يضم النظام وإيران وروسيا، قصفت إسرائيل مواقع سورية – إيرانية بقرب دمشق في أول غارات لها منذ اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في مؤشر على عزمها قطع الطريق على ترسيخ التموضع الإيراني في سوريا. إزاء هذا المشهد المتداخل والمعقّد، يطلّ العملاق الأميركي حيناً بصورة مباشرة ويلقِي بظِلاله حيناً على مشاريع الآخرين وهو اليوم يزهو بثوبٍ جديد يرتديه دونالد ترامب في أعقاب إنهاء جهود عزله واثقاً أن الولاية الثانية في جيبه وأن عواصم العالم في صدد إعادة رسم سياساتها على أساس بقائه في البيت الأبيض لخمس سنوات مقبلة. “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .