العدد 4124
الأربعاء 29 يناير 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
رؤية ضد تيار كراهية الثقافات!
الأربعاء 29 يناير 2020

الثقافة نبضٌ، وعيٌ، جسر بين الشعوب، تلملم الجراح وتضيق الخلاف وتتسلل بين ثقوب الكراهية لتمحو بقدر المستطاع تلك النتوءات التي خلفتها موروثات قديمة بين الشعوب، تغذيها الأديان، أستغرب بعد كل هذه القرون المديدة من الكراهية، وحتى بعد زوال الأنظمة الثيوقراطية والدكتاتورية من العالم، كالنازية والفاشية، تنامي مشاعر طارئة تحقنها سياسات منزوعة الإنسانية بمنهجية آيديولوجية، ومنتهية الصلاحية، بهدف الإبقاء على صراعات الجماعات، طوائف وقوميات وشرائح، مستمرة لمصلحة ضيقة تتمثل بمحاولة السيطرة على عقول الشعوب وحملها على مزيد من كراهية بعضها البعض، هذا ما نراه اليوم بأشكال صارخة بين قوى يمينية متزمتة وبين قوى تنويرية تحاول نشر ثقافات التفاهم والسلام، وتبرز تلك الصورة صارخة بين المسلمين والمسيحيين واليهود، تغذيها قيادات ثيوقراطية، وتكتوي بها أطراف إنسانية وتنويرية تحاول تضييق الهوة بين ثقافات الشعوب، ولو تحقق ذلك لزال الكثير من الاحتقان وذابت الكراهية وأمكن رؤية ثقب لبصيصٍ من ضوء يقود لنزع الكراهية من المنطقة التي عمها الصراع منذ قرون بسبب مشاعر الكراهية وأخطاء ارتكبها عمداً مروجو السلفيات الدينية بمختلف أطيافها لبث الكراهية، والسيطرة على عقول القطيع!

من نافذة المواجهة الصريحة ومن رؤية موضوعية تنأى عن المجاملة والسير في قافلة مروجي الكراهية العمياء التي تسود المنطقة منذ عقود، أرى أن قراءة عقلانية للمشهد الثقافي، كفيلة بفتح ثقب بجدار الخوف من ثقافة الآخر، وهو خوف غير مبرر ولا يستند على ثقة بالنفس، فمنذ سنوات الصراع السياسي والدموي، كان هناك بداخل المجتمع المسلم والمسيحي واليهودي نزوع بل استقطاب للثقافة العربية، وبلغ القبول حد أن تجسد بوضوح صارخ، في شوارع رئيسية وميادين عامة هناك احتفاء بأسماء مثل جبران خليل جبران ونجيب محفوظ وطه حسين وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وأسمهان، كما تُعْرض الأفلام العربية وتذاع الأغاني العربية وتترجم الروايات والأشعار العربية، دون أن نلمس ذلك الخوف والهلع من تأثيرها على عقل الآخر، بعكس بعضنا، الذي بمجرد ذكر عبارة لكاتب من الضفة الأخرى، حتى يطير الشرر، علماً أن مئات من المثقفين على الجانب الآخر من الأدباء والفنانين تعاطفوا مع الحقوق العربية أكثر من كثير من العرب.

هل تلاشت ثقتنا بأنفسنا وحضارتنا وتاريخنا وموروثنا؟ ألا توجد قاعدة صلبة تحفظ هذا التراث؟ هل حضارتنا كلها ريشة في الهواء، مثل كذبة لم تقوَ على صد نسمة هواء؟ لا أنكر على الإطلاق وجود تيارات متطرفة وبداخلها كراهية للعربي تفوق المتصور، وهذا الأمر يقابله بالتأكيد تيار عربي مماثل يلتقيان بالنهاية عند منعطف تتوحد فيه مصلحتهما ببقاء واستمرار وتعميق الكراهية، هذا لا يلغي أن الكراهية متبادلة.

 

تنويرة:

خروجك من السرب ضرورة إذا فقد السرب وجهته.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية