العدد 4110
الأربعاء 15 يناير 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
للرائحة سر وسحر!
الأربعاء 15 يناير 2020

للرائحة سحر يفوق الخيال؛ قد تكون أكبر عوامل الجذب، أو أسرع وسائل التنفير! وكلنا يعرف أثرها على الآخرين، غير أن ما يهم – حقيقة – هو الأثر الذي تُحدثه في نفس كل واحد منا، حين تُلامس أرواحنا! وتُغير من أمزجتنا، أو تشتغل على تهدئة أعصابنا، أو تثير عواطفنا، وتحرك انفعالاتنا، وكيف تأخذنا بعيدًا نحو ذكريات مضت؛ فتُشعل الحنين، وتُلهب الشعور، والأعجب كيف تُصيبنا بنشوة تدفعنا إلى الأمام، في تفاؤل الحالمين، وانطلاقة الطامحين.. هي الرائحة، مفتاح كثير من المغاليق، وبوابة مُشرعة نحو كثير من النجاحات.

هل انتبهنا إلى أثرها في نفوسنا، وشَغـَلَنا أريجُ الرائحة وعبقُها عن تعليقات الآخرين حولها، وعمّا إذا كانت ستستوقفهم لحظاتٍ؛ ليمتدحوا أذواقنا الخاصة في اختيارها؟! لا بأس من مدائحهم؛ فهي مرغوبة ومطلوبة، غير أن غفلتنا عن عميق أثرها، تجعلنا نفقد الكثير من سرها؛ فالوعي بأي شيء كان؛ هو ما يجعل منه ذا قيمة وأهمية، وهو ما يُحدث الفارق في استجابتنا له، بل؛ هو السبب الجوهري نحو شعورنا الكامل به، واستفادتنا القصوى منه؛ نفسيًا وجسديًا!

من المهم أن نتعرف على أكثر مما هو ظاهر في الرائحة! فـ “رشات العطر”، أبعد من مجرد إشعار للآخرين بأناقتنا، ورقيّ أذواقنا، أو شديد نظافتنا، إنها لغة تتكلم بصمت؛ لتملأَ يومنا بالبهجة، والأمل، والشغف. رائحة الشاي أهم من الشاي نفسه؛ فهي تُرخي بليد أعصابنا، وتُهذب أمزجتنا، وتُنقّي أفكارنا، أريج المكان، رائحة الطعام، ورائحة كذا وكذا... تظل دائما أهم من الشيء الحسيّ نفسه؛ فهي فاتحة الدخول إليه أو الخروج منه، ومؤشر الانجذاب أو النفور!

للرائحة الطيبة جمالية خاصة؛ يُعرف بها كلُ جميل! فكل ما يُعجبنا على وجه هذه الأرض، مقرون بها؛ البحر، والتراب، والزهر... وعددوا معي ما تحبون؛ ستكتشفون أن أول ما يُلامس ذاكرتكم منه؛ هو الرائحة، ولو افترضنا العكس؛ فإن أول قبيح تذكرونه في أي شيء كان؛ هو نفسه الرائحة، وكأنها جواز عبورنا نحوه، أو وثيقة طردنا ونفينا له!

يعلمنا ذلك أن نتقن طقوس الروائح؛ أن ننتقي منها ما نحب، وأن نُهندس الأجواء المفعمة بما تشتهيه أرواحنها منها؛ بما يساعدها على التسرّب اللطيف إلى أجسادنا المتعبة؛ المنهكة بأعباء أعمالها اليومية، ويحقق لها حالة من الاسترخاء اللذيذ! أَلَا ترون أن علاجات الـ “أروما ثيرابي” ترتكز بشكل رئيسي على الزيوت العطرية! السر كامن – بامتياز – في سحر الرائحة، وقابليتها السريعة للنفاذ إلى الروح، واختراق حواجز الشعور، بل؛ واللاشعور.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية