العدد 4068
الأربعاء 04 ديسمبر 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
كوريا الجنوبية والشباب العربي الضائع
الأربعاء 04 ديسمبر 2019

هل قدر الشباب العربي الضياع؟ وهذا هو واقع كل شاب يخدع بشعار سياسي قاتل رومانسي. تقول مستغانمي في رواية الأسود يليق بك: “في الماضي كان جاهزا للموت من أجل صورة قائد حزبه أو زعيم طائفته. الآن وقد تجاوز مراهقته السياسيّة، أدرك سذاجة رفيقه الذي مات في معركة الصوَر دفاعا عن كرامة صورة لمشروع لصّ، أراد ساذج آخر أن يقتلعها ليضع مكانها صورة زعيم آخر لميليشيا. فمات الاثنان وعاش بعدهما اللصّان”. ذاك حالنا في العالم العربي خصوصًا في العراق ولبنان، شباب يعيشون الضياع بحثا عن مثل أعلى يختصر لهم الطريق، ويوزع عليهم الأماني بعد أن أصبحت جروحهم غائرة من الحزن والوحدة وضياع الطريق، حيث تضيع الأرغفة وتبقى الأرصفة رداء يتدثرون بزواياها كقطة تلصق جسدها خشية قرص الشتاء. من كان يصدق أن الرصاص يبحث عن أجساد عارية في النجف والناصرية وبغداد لفتيان بلا قلم رصاص ولا لوحة ولا مدرسة؟

من كان يظن يوما أن من كانوا يخرجون من تحت بزاتهم الأنيقة من السياسيين حمائم سلام في عيون الناس يتحولون إلى ذئاب مفترسة جوالة تبحث عن لحم نِيّ لفتيان في عمر الزهور؟ يقول ديستويفسكي، الروائي الروسي “يقال أحيانا أن الإنسان حيوان كاسر إلا أن في هذا القول إهانة للحيوانات لا داعى لها، فالحيوانات لا تبلغ مبلغ البشر في القسوة أبداً، وهي لا تتفنن في قسوتها تفنن الإنسان”. كانوا ذات الفتيان يحملون صور زعماء الطوائف في يوم ما بعد أن أقنعوهم بشعار مضلل (الإسلام هو الحل) أو الطوائف هي الحل، وأن الديمقراطية لا تأتي إلا من جلباب رجل دين من هذا المذهب أو ذاك المذهب؟

كان هتلر يلعب على جرح الشباب الألماني، فراحوا ضحايا في أفران الحروب بالملايين. إنها قصة الفقراء والأغنياء عندما يعجز الأغنياء حتى من سماع ألم من وقفوا معهم. كما يقول ديستويفسكي في رواية الفقراء “يجب أن أقول أيضا أن الأغنياء لا يحبون أبدا أن يشكو الفقراء حظهم جهارا. يظهر أن هذا يؤذيهم ويزعجهم. والبؤس مزعج دائما على كل حال: كأن أنات الفقراء تعوق نوم الأغنياء!”. قلناها مرارا وتكرارا ومنذ 20 عاما لا حكم المذاهب ولا حكم العقائد ينجي الفقير ولا الأوطان، وحدها الديمقراطية في فصل الدين عن السياسة قادرة على بناء الدولة مهما كانت أخطاؤها. نحن مختلفون عن الآخرين حتى في الانقلابات العسكرية. فكوريا الجنوبية قادها للغنى والتغيير رجل عسكري جاء من وجع الناس، ولم يكن يبحث عن ألوان بزة، ولا نياشين تملأ بزته بقدر ما كان يبحث عن أكف تكفكف دموع شعبه الذي أكله الاستعمار الياباني لـ 35 عاما. الاحتلال الياباني الشرس الذي انقض عليهم كنمر آسيوي جائع ومازال الكوريون يترحمون على ملكهم الذي قضى على حكمه ذات اليابانيين سنة 1910. خرجت كوريا كوردة من تحت الركام. جاء إلى الناس هذا الزعيم العسكري، ابتدأ بتعليم الفقراء وإرسالهم إلى الدراسة في العراء بين الأنقاض، حيث كانت كوريا أشبه بمكب نفايات، وكانت النساء في كوريا يبعن شعرهن الجميل كباروكات حتى لا يموت أبناؤهن من الجوع. كوريا خسرت خمسة ملايين فرد بسبب الحرب الأهلية الداخلية لبلد ممزق جرى ذلك بعد الحرب العالمية الثانية.

قال عنها الغربيون إن هذه البلاد لا أمل لها، ولا يمكن أن تنبت ورده من وسط النفايات. وانقسمت إلى قسمين جنوبية وشمالية، وهم كانوا واحدًا. ليس عندهم لا نفط ولا غاز ولا أي شيء سوى تربة وعقل عملاق جاء بانقلاب عسكري سنة 1961 يدعى “بارك تشونج هي” خرج باك لتكون الأولوية للأفواه الجائعة، حيث كان دخل الفرد أقل من نظيره في اليمن، وكان 40 % من السكان تحت خط الفقر. واليوم أصبح متوسط دخل الفرد 31 ألف دولار للفرد. بدأ بالاقتصاد المتنوع وفتح المصانع حتى غزا العالم بسامسونج وال جي وهونداي. أصر على بناء أعظم السفن العمالقة، فأصبحت كوريا هي الرحم الصناعي الكبير لولادة أفخم اليخوت، والسفن العملاقة. والسؤال: كيف تعلم الآسيويون الدرس مثل الزعيم السنغافوري لي كوان يو، وباك ودول مثل العراق ولبنان وإيران، وهي تمتلك كل الموارد مازالوا ضحايا الفكر الإسلام السياسي غير المنتج؟ فهم يمتلكون كل شيء ولا يملكون شيئا. إنهم لا يبحثون عن قديس، ولا عن رجل بلا أخطاء، لكنهم يبحثون عن حكومات صحيحة يهمها جوع الناس وألم الفقير لا مجموعة لا تشبع من الفساد.

إن هيئة النزاهة العراقية المرتبطة بالبرلمان أقرت بأن العراق فقد بسبب الفساد الحكومي نحو 320 مليار دولار في السنوات الـ 15 الماضية غير حين نمت الدول الآسيوية. كما يقول الكاتب جلال عامر شبكة الفساد في هذه البلاد أكبر من شبكة الصرف الصحي. سياسيون يزدادون بدانة والفقراء ضعفا. ذات يوم قال تشرشل لبرنادشو (وكان تشرشل ضخم الجثة): “من يراك يا أخي برنار (وكان نحيل الجسد جدا)، يظن أن بلادنا تعاني أزمة اقتصادية حادة، أزمة جوع خانقة!”.

فأجابه برناردشو: “ومن يراك يا صاحبي، يدرك فورا سبب الأزمة”! مفارقات قاتلة، فقد أعلن البنك المركزي في كوريا الجنوبية أن متوسط الدخل الفردي في كوريا الجنوبية ارتفع في العام الماضي 2018، متجاوزا 31.000 دولار. السؤال: هل بإمكان مثل هذه الدول، وهي تمتلئ بالنفط والخام والغاز وكل الموارد أن تلتحق بمثل هذه الدول الآسيوية؟ نعم إذا بدأت بديمقراطية حقيقية، وتم فصل الدين والطوائف عن السياسة، وحورب الفساد، وركز التعليم الابتكاري، وفتحت الأسواق لجذب رؤوس الأموال، وتم تشريع قوانين حضارية، وركزت العدالة الاجتماعية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .