العدد 4058
الأحد 24 نوفمبر 2019
banner
صرت وزير.. خير اللهم خير!
الأحد 24 نوفمبر 2019

لا شك في أنه كان حلمًا مزعجًا للغاية.. خير اللهم اجعله خير.. ففي تلك الليلة، وعندما كنت - كالعادة - في مجلس عامر مع الأصدقاء بحضور وزير سابق، دار الحديث طويلًا وفق “مقارنات يوم أنت وزير وألحين”، ودارت مناقشات بشأن أمانة وصدق وأداء الوزير كمسؤولية وطنية، وأن اللازم هو أن يكون المسؤول كالوزير ووزارته كلها في خدمة الوطن والمواطن بشكل يشعر به الناس.. و... و.. و.. المهم، أنني خرجت من المجلس وعدت للبيت وذهبت في نوم عميق.

وكم كان ذلك الحلم الذي رأيته في تلك الليلة جميلًا.. مرعبًا.. طويلًا.. خانقًا.. مدهشًا.. كريهًا.. حلوًا.. مريرًا.. فقد رأيت فيما يرى النائم، خير اللهم اجعله خير، أنني “صرت وزير”.. وسنحت لي الفرصة لأن أزور مجلس ذلك الصديق الذي اعتدت زيارته، فرأيت أجمل ما رأيت، حيث هب الربع ومن في المجلس جميعًا لاستقبالي بالأحضان، والكل يقول “درب.. درب.. درب.. معالي الوزير وصل”... قال آخر: “حيا الله طويل العمر.. حيا الله سعادة الوزير”.. قال ثالث: “حيا الله من يه.. شرفتنا ونورتنا طال عمرك”.. حتى جلست، وما هي إلا لحظات حتى “تدفقت” على رأسي سيول من “النفاق”: “بارك الله جهودك الكبيرة في خدمة الوطن معالي الوزير.. قال آخر.. بيض الله وجهك على ما تقوم به من عمل فقد أثبت أنك الرجل المناسب في المكان المناسب.. و.. و.. المهم، غادرت في ذلك المجلس والناس والمباخر ودخون عودها يرافقني حتى السيارة.. هذا “يطبل لي خوش تطبيل”.. وناس تسلمني ظروف رسائل.. وناس تطلب مني حضور مأدبة وناس تحب “خشمي”.. غادرت وأنا في غاية السعادة.

خرجت من ذلك المنزل وبقي “شبحي” فيه.. فلا أحد يرى “شبحي العزيز”.. وإذا بمن في المجلس “يصلخوني صلاخ”.. هذا يقول “عمري ما شفت وزير فاشل مثل هذا.. آخر يقول: “في ذمتك هذا شكل واحد وزير”.. قال ثالث: “أصلًا من قبل هو طبل علباله يعني يوم صار وزير بيصير ذكي.. قال رابع: “يعني من دون هالكفاءات والناس الفاهمة ما صار إلا ذي وزير”.. وقال خامس وسادس وسابع: “راز روحه في هالمكتب الفخم وهالسيارات الفارهة وفلوس ومشاريع ويشتغل حق أهله وربعه وعياله، وخلق الله دايخين”.. والأشد الذي آلم “شبحي” وآلمني هو ذلك الذي قال: “كان رفيجي منذ الطفولة.. تنبل من الزين.. بس حظه يكسر الصخر يا مال الويل”.. المهم، أن شبحي غادر ليصيبني الهم الشديد والنكد الثقيل والحزن القاتل.. استيقظت من النوم لأكرر مع نفسي: “وزير غصبًا عنكم مالت عليكم”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية