العدد 4047
الأربعاء 13 نوفمبر 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
اللهاث وراء الجمال!
الأربعاء 13 نوفمبر 2019

من منا لا يجذبه الجمال الشكلي، ومن لا يسعى إلى تهذيب مظهره، والخروج بالشكل اللائق والمحبب إلى النفس والآخرين! هذا طبيعي، لكن ما هو غير ذلك؛ أن يتحول طلب الجمال إلى هوس لا نهاية له! فينتهي بنتائج كارثية لا على الشكل فقط؛ ولكن على المضمون؛ حين ينخر في نفسية الإنسان ويحولها إلى عبد لكل ما استجد من علاجات تجميلية أو صرعات وموضات سوقية!

وللأسف الشديد أول الضحايا النساء؛ لا لقلة بصيرة أو بصر، بقدر ما هو طبيعة نفسية، وفطرة إنسانية؛ فالمرأة كائن جميل بطبعه، ميّال إلى الجمال وحب الزينة، ولا عجب أن تكون الأسواق التجارية والصالونات النسائية أو عيادات التجميل الوجهة الأولى لديهن، وهذا مطلوب، وضروري، ومرغوب فيه، لكن من دون مبالغة؛ ذلك أن المبالغة في كل شيء، تُفقده أثره المشرق في النفس، حتى لا تعود له قيمة! هذه قاعدة منطقية، إذ تفسد المقتنيات الجميلة والجيدة؛ كثرتها والإسراف فيها؛ فتكديس مئات الأثواب الجميلة يجعل منها جميعها عادية في النفس، لا تُبهج صاحبها ولا تُحدث في روحه فارقًا! وقس عليها أي مقتنى مادي، تماما كاللوحة الجيدة على الحائط؛ تضيع حين تزاحمها عشرات اللوحات؛ لا تقتنصها العين، ولا يلتفت إليها أحد، فتفسد متعتها؛ ويضيع مظهرها ومخبرها!

وما أسوأ اقتفاء الموضات واللهاث خلفها، بدءا من الوجه وانتهاء بأخمص القدم، ويتساوى في ذلك الأمر المرأة والرجل مع الفارق! فهناك من يتابعون هذه الموضات، بالمليمتر، ولا يحيدون عنها قيد أنملة؛ فتراهم في شغل شاغل، يتنقلون بين المحال، وقد يسافرون في طلبها، فإذا انتهت مدتها؛ بدأوا بالأشواط الأخرى لما يستجد منها، ولا تنتهي الحكاية!

والأسوأ أن يكون المال أحيانا سببًا مساعدا لهؤلاء! يعينهم على التكديس والرمي، ثم الرمي والتكديس، وهكذا، والجري المتلاحق وراء ما يظنونه جمالا أو كمالا، حتى إذا وصلوا واكتشفوا أنه سراب؛ لا تراهم يتوقفون، بل يبحثون عن أبواب أخرى؛ علّها تفتح لهم مغاليق البهجة الروحية، فإن قنعوا أن لا جديد مثير، أو جاذب انتهوا إلى اليأس وتلحّفوا بالكآبة! إن البحث عن الجمال، والسعي إليه – بأكثر من طريقة ووسيلة - ليس وليد عصرنا هذا، فلطالما كان الإنسان – عبر تاريخه الطويل - شغوفًا به؛ فهو المعادل الحقيقي للشباب، والسعادة، والمتعة، والراحة، وغيابه يعني غياب كل هذه الجماليات، غير أن الإفراط المُسفّ فيه؛ يحمل دلالات سلبية؛ تشي باهتزاز ثقة أصحابها بأنفسهم، وبغياب القيم الروحية لصالح المادية.. وما أكثر ضحايا الجمال الذين طلبوه فأخطأوه!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .