+A
A-

جاسم الزياني.. تاريخ تجاري عريق

انتقل إلى رحمة الله تعالى فجر أمس الاثنين الوجيه، رجل الأعمال جاسم عبدالرحمن الزياني، رئيس مجموعة شركات جاسم الزياني وأولاده، عن عمر ناهز الـ 91 عاماً. والراحل أحد التجار البحرينيين المعروفين، وهو سليل عائلة تجارية اشتهرت منذ زمن طويل بتجارة اللؤلؤ.

وكان المرحوم رئيسا لمؤسسة جاسم الزياني وأولاده، وهو أصغر أولاد المرحوم عبدالرحمن الزياني، ولديه أخوان راشد الذي يكبره بـ 10 سنوات ومن بعده أحمد، إضافة إلى 4 أخوات.

وآخر لقاء أجرته معه "البلاد" نشر في 25 سبتمبر 2016، حيث تحدث عن حياته، مؤكدا أنه ولد في صيف العام 1928، في منطقة القضيبية، ثم سافر للهند في سن مبكرة. وتلقى الفقيد تعليمه الأول في مدرسة الهداية الخليفية في أربعينات القرن الماضي، ثم إلى مومباي في سن الرابعة عشرة، ليحصل على شهادة الدبلوم في اللغة الإنجليزية والمحاسبة.

وكان المرحوم يجيد اللغة الهندية، فيما درس لغات أخرى بصورة مبسطة كالألمانية.

وأوضح أن البداية الفعلية لشركتهم التي أسسها جده كانت في الأربعينات.

وقال المرحوم في المقابلة "في مطلع الأربعينات من القرن الماضي كنت تلميذا في المدرسة، في الوقت الذي كان أخي راشد يدرس في الجامعة الأميركية ببيروت، بينما كان أخي أحمد يعمل في تجارة اللؤلؤ في الهند، (...) بقيت إلى جانب والدي لأساعده.

عندما نشبت الحرب العالمية الثانية، كان لها تأثير سلبي على كل شيء، وتوقف استيراد البضائع من كثير من الدول، ولم تبق أمامنا إلا نافذة الهند التي لم تكن مفتوحة على مصراعيها؛ فبسبب ظروف الحرب ومتطلباتها فرضت الحكومة الهندية قيودا صارمة على التصدير، وكان الحصول على إذن بتصدير أي بضاعة صعبًا، لكننا كنا محظوظين بوجود أخي أحمد في مومباي، حيث كان دوره يتمثل في شراء جميع أنواع البضائع وإرسالها إلينا بعد حصوله على الإذن بالتصدير، مستخدما علاقاته وصداقاته مع أصحاب النفوذ من المسؤولين الحكوميين وكبار التجار.

كانت مهمتي تبدأ عندما تصل الباخرة من مومباي ببضائعنا، حيث تبدأ مشكلتي دائما مع مفتش الجمارك في فرضة المنامة، وهو هندي اسمه شودري، فقد كان هذا المفتش مشهورًا بالشدة وصارمًا في عمله.

بعد تسلمي الصندوق، أحمل البضاعة في “جفير” إلى سوق القيصرية بالمحرق. وكان والدي كبقية تجار اللؤلؤ المعروفين يترفع عن المتاجرة في البضائع الأخرى الصغيرة أو حتى تحصيل الإيجارات. وكنت أعرض بضاعتي على التجار هناك، وأبيع عليهم ما يطلبون بالتقسيط أو كما يسمى وقتها بـ “المسابعة”، أي أن يدفع الثمن بأقساط أسبوعية.

بعد عودتي من الهند فاجأني والدي بعقد صفقة مع تاجر هندي اسمه رامو دارداس، تقضي بشراء والدي محله التجاري الواقع في شارع باب البحرين بمبلغ 4 آلاف روبية، وهو مبلغ يعد كبيرا في ذلك الوقت، لكن الوالد وجد في شراء المحل - من صاحبه الذي كان يصفي تجارته لمغادرة البحرين - صفقة رابحة وانطلاقة جديدة وداعمة لتجارتنا.

وعلى رغم أن والدي هو صاحب الفكرة ومنفذ الصفقة، اعتبر شراء المحل من أجلي، وكان يقول لمن يسأله أو يبارك له بالشراء: “إن المحل للولد جاسم”، ولذلك فما إن أبرم الصفقة حتى أوكل مسؤولية إدارة المحل التجاري إلي، ومنحني الصلاحيات كاملة لإدارته.

ومن المعلوم أم شركة الزياني عملت في مجالات عديدة منها تجارة التجزئة، وتجارة السيارات الذي قال بخصوصها أن الفكرة راودته عندما كان بالهند.

وتابع "بعد عودتي إلى البحرين كانت فكرة استيراد سيارات “الاوستين” مختمرة في ذهني، فاتصلت بالكاتب “مفيز”، وطلبت منه أن يكتب رسالة إلى الشركة، تضمنت الرغبة في استيراد السيارات، والحصول على وكالتها.

جاءني الجواب بالموافقة الأولية على طلبي، وإرسال القائمة الخاصة بموديلات السيارات المتوافرة لدى الشركة (الكتالوجات)، وهي 3 أحجام: “أوستين” 8 و10 و12، وما كان مني إلا أن طلبت 3 سيارات من كل حجم واحدة، وكان هذا ثاني نوع من السيارات الإنجليزية التي تصل إلى البحرين.

وبعد ذلك أثناء مطالعتي إحدى الصحف الإنجليزية، وكنت حينها ملمًّا باللغة الإنجليزية بعد دراستي في الهند، قرأت إعلانا عن سيارات الـ “لاندروفر” المعروفة بالدفع الرباعي، وطلبت من “مفيز” أن يكتب إلى الشركة، ويطلب الاستيراد والوكالة أيضًا، ووافقت الشركة على الطلب، وأرسلت إلينا سيارة واحدة منها.

عند وصول السيارة، اتصلت إلى حاكم البحرين حينها الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي أعجب بها أشد الإعجاب حتى اقتناها، وأقام مأدبة عشاء على شرفي أنا ووالدي، إذ كان مسرورا بالسيارة، وقال إنني حققت له أمنية غالية.

بعدها بدأنا استيراد الشاحنات الثقيلة، كشاحنات “الأوستين” (القلاب)، ثم حصلنا على وكالات سيارات “دزوتو” الأميركية، وهي من إنتاج شركة “كرايزلر”.

ولاحقًا حصلنا على “ميتسوبيشي” تلقائيًا؛ كونها تابعة لشركة “كرايزلرز” نفسها، فقد كان هناك اتفاق على الاندماج بين الشركتين، نصّ على أن تدار “ميتسوبيشي” بواسطة “كرايزلر”، وبهذا أصبحنا وكلاء لسيارات “أوستن” و”لاندروفر” و”كرايزلر” و”ميتسوبيشي”.

وبين الزياني في مقابلته للبلاد أن المؤسسة كبرت مع الانفتاح الذي شهدته البحرين على الأسواق الخارجية، وتوسعنا في الأعمال. ثم توجهنا إلى البناء، حيث كنا نستملك أراضي ونبنيها لتصبح عمارات. ثم أسسنا فنادق عدة في البحرين أولها “دلمون”، وبعدها أسسنا فندق “المركيور” بإدارة شركة فرنسية، ثم “السوفيتيل” مع شركاء.

رحم الله الوجيه جاسم الزياني، وتغمده بواسع رحمته.