+A
A-

فيلم "dhanak" ثمة ألم يكمن في صلب وجدان العالم

تميزت السينما الهندية المعاصرة بتعبيرها عن محنتها نحو افاق التعبير الفني الخلاق ، فالهند العريقة صاحبة الرصيد الحضاري الذي يعد من اغنى ارصدة العالم دوما تلفت الانتباه بأفلامها القوية، وهنا سوف اتحدث عن الفيلم الذي يعتبر من اهم واقوى الأفلام خلال العشر سنوات الأخيرة والحائز على جائزة مهرجان برلين وهو " داناك" كتبه وأخرجه ناغيش كوكونور، ومن بطولة الطفلين هيتال غادا وكريش تشابريا ومعهما في أدوار مساعده مجموعة من نجوم السينما الهندية، وتدور قصة الفيلم الذي عرض العام 2017 حول فتاة تذهب في رحلة لاصطحاب أخيها الأعمى إلى ممثل يعتقدون أنه يمكنه مساعدة شقيقها لعمل عملية لاستعادة بصره، ولعل التناغم في الفيلم هو الذي حدا بنقاد السينما في الهند الى ان يختاروا" داناك" واحدا من اجمل عشرة أفلام خلال السنوات الماضية.

الفيلم يجعلك في نشوة من روعة التصوير التي تمتلأ بها الاعين، فسرعان ما تبدأ في طرح أسئلة لا عد لها تظل تعتمل في الرأس طيلة انسياب الفيلم. فنتساءل كيف ستقود الطفلة شقيقها الاعمى الى حلمه، ما هي الصعوبات التي ستواجههما؟

نظل في حيرة من الامر لا تنتهي الا باللقطة الاخيرة من الفيلم والذي صورها المخرج كوكونور ورمز لها بالحياة والعطاء، فما ان نشاهد ارجل وظهر الممثل المشهور الذي سيساعد الطفل الاعمى وهو يتجه الى سيارته بعد توقيع أوراق العملية، ينتهي نهر الفيلم، ينتهي بعد تدفقه عبر كل آلام الطفولة وعذابها، ينتهي بالخلق منتصرا.

ان رائعة المخرج ناغيش كوكونور هي المثل الحي على تحويل السينما الى فن يستطيع ان يعبر عن اعمق أعماق النفس البشرية، فالبناء الدرامي للقصة مذهل وسجل المخرج براعة في اختيار الممثلين، فالمشاهد تنتقل تدريجيا من الخاص الى العام كما في التحليل الجدلي للفن . كما ان حركات الكاميرا من اليسار الى اليمين والعكس ، واللقطات الدائرية خاصة عندما يركب الشقيقان اكثر من باص للوصول الى مقصدهما اعطت المشاهد صورة فوتغرافية مباشرة لجانب من جوانب الحياة، وكأن المخرج يتعمد في اثارة انفعال المشاهد تجاه الطفلين. كانت الكاميرا مثل المعجم الذي يعطي الكلمات والتعابير ويمكنني القول ان المخرج ناغيش قد اكتسب هذه الاحترافية من المخرج الهندي الكبير " مانموهان ديساي" صاحب الروائع في السينما الهندية مثل أفلام " امر اكبر انتوني" و " دهرام فير " وغيرها.

بصورة عامة قدم هذا الفيلم قوة أخلاقية عالية وانهمار في المشاعر وخبرة عالية في الفن السينمائي حملها المخرج من خلال تمرسه وتقنيته، وما اقوى المخرج السينمائي الذي تظل بوصلته تتحرك قلقة مادام ثمة ألم يكمن في صلب وجدان العالم.