+A
A-

الجزائر.. هل تُسقط وجوه عهد بوتفليقة انتخابات ديسمبر؟

ستخوض وجوه قديمة من عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة رسمياً انتخابات الجزائر الجديدة، وستتنافس فيما بينها على كرسي الرئاسة، رغم استمرار المطالب الداعية لرحيل جميع السياسيين الذين برزوا خلال العهد السابق من المشهد السياسي.

ويبدو أن المشهد السياسي في الجزائر لا يزال مهيأ لتطورات جديدة مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، ويسير في حقل ألغام قد ينفجر في أي لحظة في وجه السلطة أو معارضي الانتخابات، التي قد تؤول إما لصعود وجه قديم إلى الرئاسة أو سقوط رؤوس جديدة من العهد السابق، إذا فشل تنظيم هذه الانتخابات.

وهيمن رموز عهد بوتفليقة على لائحة المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بعدما أعلنت السلطة المستقلة للانتخابات عن قبول ملفات عزالدين الميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق والمسجون حالياً أحمد أويحيى، كما تولى الميهوبي وزارة الثقافة في الحكومة التي شكّلها بوتفليقة من 2017 إلى 2019. كما قبلت السلطة المستقلة للانتخابات ترشيح رئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبّون (73 سنة)، وهو أحد أهم أركان عهد بوتفليقة، وكذلك ملف رئيس "حزب الطلائع" علي بن فليس (75 سنة) الذي تولى رئاسة الحكومة بين 2000 و2003 خلال الولاية الأولى لبوتفليقة، ومعهم رئيس "حزب المستقبل" عبد العزيز بلعيد، إلى جانب رئيس حزب "البناء الوطني" (وهو حزب منشق عن الحزب المركزي لإخوان الجزائر) عبد القادر بن قرينة.

وفي هذا السياق رأى الكاتب الصحفي الداعم للحراك الشعبي نجيب بلحمير أن قائمة المرشحين التي أعلنتها سلطة الانتخابات "تشرح لنا اليوم استحالة التغيير دون تفكيك النظام، لأنه ليس في القائمة غير النظام"، مضيفاً أنه "حتّى الذين حاولوا خلق الانطباع بأن الانتخابات مفتوحة انتهى بهم الأمر إلى الانسحاب أو تقديم ملفات منقوصة، وهو نفس المصير الذي كان سيلقاه أي شخص يترشح من خارج النظام". وتساءل بلحمير في هذا السياق "كيف يمكن أن نتحدث عن التغيير بالانتخابات ما دام المجتمع محروماً من اكتشاف قوى سياسية جديدة، أو وجوه غير تلك التي جرى تسويقها منذ عقدين؟".

وأضاف بلحمير: "عندما نحسن الظن بسلطة الانتخابات فإننا سنضطر إلى إيجاد تفسير موضوعي للسبب الذي جعل هؤلاء الخمسة، دون غيرهم، يتجاوزون عقبة جمع الاستمارات، وسنجد أنهم اعتمدوا على شبكات قديمة جاهزة، وهذا يعني أن المهمة ستكون مستحيلة لكل من يترشح من خارج النظام".

ورأى بلحمير أن التغيير بالانتخابات لا يمكن الحديث عنه "إلا إذا تم فتح المجال أمام الحريات التي تعتبر شرطاً أساسياً لبروز قوى سياسية جديدة، والسماح لهذه الأغلبية التي خرجت إلى الشوارع منذ 22 فبراير/شباط لتنظيم نفسها والمشاركة بفعالية في الحياة السياسية من خلال انتخابات حقيقية تتوج مساراً للتحول نحو نظام جديد".

من جهته، قال سيف الإسلام بن عطيّة الناشط البارز في الحراك الشعبي، في حديث مع "العربية.نت": "أنا سعيد جدا بعد إعلان القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية والتي كشفت لعامة الناس عن نوايا النظام، وبعد خروج ملايين الجزائريين يوم الجمعة للتعبير عن رفضهم لهذه الخطّة، وبعد التحاق أنصار الانتخابات الذين كانوا يؤيدونها بالحراك وذلك مباشرة بعد إعلان الأسماء التي ستتنافس على كرسي الرئاسة".

ومع الرفض الشعبي المتصاعد للانتخابات المرتقبة ورغبة السلطة الجدية في إجرائها بعدما جنّدت كل أجهزة الدولة في التحضير لها، تنتظر الجزائر أياماً حاسمة ستحدّد مصير البلاد.

الصدام المحتمل وفرض حالة الطوارئ

وفي هذا السياق، رجحّ المحلل السياسي عزالدين بن سويح أن يسقط الموعد القادم للانتخابات ويتم تأجيلها مرة أخرى، بسبب استحالة إجرائها في مثل هذه الظروف وبهذه الطريقة التي تفتح الباب واسعاً لعودة رموز عهد بوتفليقة إلى السلطة من جديد واستنساخ نظامه، وإصرار الشارع على رفض هذا الشكل من الانتخابات وعدم الذهاب إلى التصويت، إلى جانب استحالة قيام المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية بحملة انتخابية في ظروف مناسبة.

الاحتجاجات المستمرة في الجزائر رفضاً للانتخابات ولرموز عهد بوتفليقة

وأشار بن سويح إلى أن "السلطة، وعلى رأسها قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، سيجد نفسه مجبراً مرّة أخرى على إعلان إلغاء هذه الانتخابات وتأجيلها إلى موعد لاحق، إلا إذا كان يريد أن يدفع البلاد نحو الصدام مع الشارع وإعلان حالة الطوارئ".

وفي حال الفشل في تنظيم الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي، يتوقعّ بن سويح، في تصريح لـ"العربية.نت"، أن تتم الإطاحة برؤوس كبيرة من أعلى هرم الدولة ستدفع ثمن عجزها عن احتواء الشارع وتهدئته وإيجاد حلول للأزمة السياسية.

هذا الأمر توقعه أيضاً المحلل السياسي عادل أورابح، الذي أكد أنه "إذا لم تنجح السلطة في رهانها على الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي، فإن النظام سيضطر للتخلص من الفريق أحمد قايد صالح، خاصة أن شبكات الجنرالات الذين تم وضعهم في السجن ما زالت تشتغل"، على حد تعبيره.

ومع اقتراب موعد الانتخابات، أشار أورابح إلى تصعيد مرتقب في الشارع، خاصة أن هذا الاستحقاق يتزامن مع سياق سياسي واجتماعي حرج تشهده البلاد، من اعتصامات وإضرابات، من بينها إضراب القضاة المتواصل منذ أسبوع والمرشح للتصعيد، مشيراً إلى أنه "إذا ما قرر القضاة عدم الإشراف على الانتخابات وهو احتمال ممكن، سيلغى الموعد أوتوماتيكيا".

"إسقاط" انتخابات 12 ديسمبر

يذكر أنه في يونيو/حزيران الماضي، اضطر المجلس الدستوري الجزائري لإعلان استحالة تنظيم الانتخابات الرئاسية التي كانت مقرّرة في 4 يوليو/تموز الماضي، بعد رفض أغلب الشخصيات الوطنية والأحزاب المشاركة فيها ومقاطعتها من طرف الحراك الشعبي. وقبلها ألغيت الانتخابات الأولى، التي كان من المقرر تنظيمها في 18 أبريل/نيسان بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إثر ضغوط شعبية.

وفي هذا السياق قدّر الأستاذ بجامعة علوم الإعلام والاتصال بالجزائر رضوان بوجمعة، في حديث مع "العربية.نت" أنه "حتى انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2019 سيتم إسقاطها في ظل هذا التوافق والإجماع غير المسبوق على معارضتها ورفضها من طرف الشعب، الذي يرفض أن يعود إلى الوراء".

وأوضح بوجمعة أن إجراء هذه الانتخابات "سيكون أخطر بكثير من عدم إجرائه، لأن أزمة المنظومة ستتعقد أكثر برئيس ضعيف فاقد للمشروعية في مواجهة أمة واحدة وموحدة وشبكات وعصب نظام حكم متناحرة ومتقاتلة ومتسابقة نحو الحصول على تأييد من الخارج لتمرير مشاريعها".

كما أشار إلى أن "كل المرشحين رغم فارق السن بينهم يشتركون في ماض واحد، عنوانه خدمة منظومة الحكم والعمل على إيجاد أدوات استمراريتها، بحجج مختلفة لكنها تشترك في خدمة مشروع المحافظة على الوضع الراهن، لخطابات السلطة"، مضيفا أنّ كل هذه المؤشرات وغيرها "تبين أن هؤلاء المرشحين يزيدون من قناعة الأمة بالاستمرار في طريق الثورة السلمية، كما سيؤدي ببعض ضحايا الدعاية وبعض المترددين إلى الاقتناع بأن اقتراع 12 ديسمبر/كانون الأول خطر على الأمة وعلى النسيج الاجتماعي وما تبقى من الحد الأدنى لوجود الدولة".

في المقابل، رأى المسؤولون في الدولة أنّ الانتخابات الرئاسية هي الحل الأمثل للخروج من الأزمة السياسية في الجزائر، حيث أكدّ الفريق أحمد قايد صالح في آخر خطاب له يوم الأربعاء الماضي أنّ "الانتخابات ستجرى في موعدها لإرساء أسس الدولة الوطنية التي سيتولى أمرها الرئيس الجديد". كما وجه تحذيرات شديدة للمجموعات السياسية والمدنية التي قد تُقدم على عرقلة إجراء هذه الانتخابات.