العدد 4033
الأربعاء 30 أكتوبر 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
أقصى اللذة.. ضياعها!
الأربعاء 30 أكتوبر 2019

ما إن يُولد الإنسان حتى نراه يلهث حول ما يحقق له حالة الإشباع؛ فالطفل الوليد قد يدخل في حالة هياج وصراخ؛ إذا تأخر إرضاعه، ولا يهدأ أو يقر له جفن حتى تمتلئ معدته، ويبلغ مرحلة الإشباع! والحقيقة أن الجري وراء هذه الحالة مستمر ولا يكاد يتوقف، ويأخذ له أشكالا وتلاوين، وما الغذاء سوى مثال بسيط للتدليل عليه! ولو قُدر للإنسان كل الوسائل والسبل لإشباع جميع رغباته؛ لما رفض أو استنكف، وقال هل من مزيد! فهو طموح بطبعه، طماع بفطرته، غير أن وراء تعثُّر أمانيه ورغباته أكثر من لِجام؛ قد يكون ضيق اليد والحال، أو ضيق الفكر والعلم، وربما ضيق الحيلة وانعدام أو ضعف الفُرص، ولكنه في المجمل لن يتوانى عن إشباع ما يرغب فيه؛ إذا تمكن من ذلك!

الإشباع كما نفهمه هو بلوغ حالة الامتلاء، ووصول حد الكفاية! لا يقتصر على الرغبات المادية أو الحسية، بل يتضمن ما هو معنوي أو نفسي! غير أن أهم صفة تميزه هي (الوقتية)؛ لذلك يسعى المرء إلى تكراره كلما وجد الفرص سانحة له؛ فنحن – على سبيل المثال - لم نعرف رجلًا شغوفًا بجمع المال قال لنفسه: اكتفيت! ولذلك نراه يسعى وراء إشباع أكبر وأكثر! لم نجد إنسانا منا يكتفي بحالة حب أو عاطفة أو راحة وقتية، فيقول: شبعت، وتنتهي القصة! هي دائرة نحوم في فلكها حتى يتوقف فينا آخر نفس!

بهذا المعنى نفهم أن الإشباع يتعلق بالجسد والروح معًا، لكن ما هو السر الذي يجعلنا نلهث خلفه هكذا؛ إن لم يكن (اللذة)! فتحقيق الإشباع يُوصل رسالة لطيفة إلى الدماغ تُشبه السحر، تنعشه وتحييه: إنها اللذة بالشيء! استطعامه، وتذوق حلاوته! من هنا نعي سبب الإلحاح عليه، والرغبة المستميتة في الوصول إليه! وهو ما يعني أن موضوع الإشباع متعلق بما يشتهيه الواحد منا أو يحبه، وهو ما لا نتفق فيه جميعنا؛ فما أراه مهما لديّ، وبحاجة لإشباع؛ يراه الآخر عرَضيا هامشيًا؛ فقد تكون غايتي إشباع حاجة مادية في نفسي؛ كأن أُوصل رصيدي البنكي إلى مبلغ وقدره، ويكون لدى ذاك الآخر رغبة في إشباع المعرفة لديه... وهكذا!

إن من الجميل أن تكون لنا حاجة نرغب في إشباعها؛ لنشعر بشيء من الرضا، وإنْ كان وقتيًا! لكن من السيئ أن نبالغ في طلب أقصى درجات الإشباع بالشيء، حتى نفقد لذته؛ متوهمين أنه كلما زاد؛ زادت متعتنا، وانفتحت لنا مغاليق السعادة، والحقيقة أننا نخسرها من دون رجعة، فنكون كمن عبّر عنهم المثل العربي (طلبوا اللذة فأخطأوها)!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .