العدد 4033
الأربعاء 30 أكتوبر 2019
banner
التظاهرات ومعضلة التنمية في العالم العربي (2)
الأربعاء 30 أكتوبر 2019

إذا كان النظام الإيراني قادرا على قمع شعبه عبر قبضة حديدية للحرس الثوري، فإن هذه السياسات لا يمكن استنساخها في دول أخرى، بل هي سياسات لا مستقبل لها سواء في إيران ذاتها أو في غيرها من الدول التي تتصور أن الملالي لسنوات مضت بإمكانهم السيطرة على مقدراتها واختطاف واقعها ومستقبلها.

التظاهرات الغاضبة في العراق ولبنان وغيرها لم تنتصر لحزب أو فريق سياسي معين بل انتصرت للدولة الوطنية، ورفعت علمها وشعارها، وطالبت بأن يعلو صوت هذه الدولة على ما عداه من الأصوات الطائفية أو المذهبية أو المصالحية؛ والرسالة الحقيقية للتظاهرات والاحتجاجات ليست في الشكوى من الفقر والفساد والبطالة وتدهور الأحوال المعيشية، بل هي بالأساس في رغبة ملايين الشباب العربي في الاحتجاج على الوجوه السياسية التي ثبت فشلها واستعادة دولهم المختطفة وعودتها لممارسة دورها الطبيعي.

الحقيقة أن هذه التظاهرات ليست مفاجئة لمن يتابع أحوال الدول والشعوب العربية عن كثب، بل تنذر بها نتائج استطلاعات الرأي التي تجرى بين الفينة والأخرى، ومنها الاستطلاع الذي أجرته شبكة “البارومتر العربي” ونشرت “بي بي سي” نتائجه منذ فترة، وأشارت نتائج هذا الاستطلاع الذي شارك فيه أكثر من 25 ألفاً من سكان عشر دول عربية إلى أمور عدة أولها ارتفاع متوسط نسبة الشباب العربي الذي يرغب في الهجرة إلى نحو 20 %، والسبب الرئيسي لذلك هو الوضع الاقتصادي والفساد، ما دفع نحو نصف العينة من الشباب في دول عربية محددة للإعراب عن رغبتهم في الهجرة!

ثمة إشارة لافتة في أن النسبة الأكبر من العراقيين واليمنيين المشاركين في الاستطلاع اعتبروا إيران التهديد الأكبر لدولهم (31 %، 33 % على التوالي) وهذا يعكس مدى وعي الشعوب واستشعارها بما يهددها من أخطار ربما يتجاهلها الساسة لأسباب لا علاقة لها بالوطنية بقدر ارتباطها بالولاءات الطائفية والمصالحية! ماذا يعني أن يرغب نحو نصف عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين في الهجرة، وأن عدد الراغبين في الهجرة ضمن هذه الفئة يتصاعد بشكل ملحوظ مقارنة بنتائج الاستطلاعات السابقة؟! هل يعني ذلك أن نصل لوقت تعبر فيه غالبية هذه الشعوب عن رغبتها في الهجرة وترك البلاد؟! وثمة مؤشر لافت يقول إن نحو 43 % من الشباب في بعض الدول العربية على استعداد للسفر بدون أوراق رسمية، أي أنهم جاهزون للانضمام إلى عمليات لجوء أو هجرة غير شرعية!

على الحكومات العربية أن تقرأ واقع الشعوب جيداً، فهناك متغيرات طارئة يجب التعامل معها، فنصف مستخدمي الإنترنت في عشر دول عربية يرون مواقع التواصل الاجتماعي محلاً للثقة، ويفضلونها كمصدر لأية معلومات عند ورود أخبار عاجلة. وموقع “فيسبوك” هو المنصة الأكثر استخداماً عربياً بعدد مستخدمين يبلغ حوالي 164 مليون شخص في العام الماضي، ارتفاعاً من 56 مليونا في العام 2013، أي أن الكثير من الدول يمكن أن تتحول إلى بيئة خصبة للتثوير ونشر الغضب في أية لحظة.

العالم العربي في معظمه يحتاج إلى حلول وسياسات علاجية عاجلة لمعالجة الأوضاع التنموية، فالسوس الذي ينخر في جسد الكثير من الدول العربية بسبب عوامل طائفية وآيديولوجية ومتاجرة بالدين وغير ذلك من فساد وسوء إدارة وتغييب للتنمية الحقيقية، يتطلب استعادة لدور الدولة الوطنية كي تقوم بواجباتها ودورها حيال مواطنيها.  “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية