العدد 4030
الأحد 27 أكتوبر 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
“لولا دا سلفا”... الفقير الذي وزع البسكويت
الأحد 27 أكتوبر 2019

منذ أمد، وأنا أتابع قصة البطل القادم من التاريخ منارة جمال ووجود، لولا دا سيلفا، البرازيلي الطيب ذي الذكاء اللامع، والمتواضع القادم من حركة العمال، الذي أخرج البرازيل من الفقر وتراكم الدين العام والعجز والجريمة والجهل إلى سابع اقتصاد قوي على مستوى العالم.

إنه الرئيس الذي استثار عقلي وأيقظ حواسي لشراهة معرفة الكثير عنه، والتسلل إلى تاريخه والتقاط أي شيء يثري معلوماتي المتوهجة عنه. ربما تخطئ الحواس لكن الكيمياء لا تخطئ في اقتناص الشخصيات الاستثنائية.

لا أعلم، أشعر بوهج الصلاة كلما تسمرت عيناي، وأنا أشاهد هذه القامة اليسارية القادمة من كدح العمال والبروتاريين والكادحين من غابات البرازيل. أشعر فيه عبادة الروح، ووهج ترابية الزعيم الذي يحاكي خبز الفقراء؛ لذلك أرادوا اغتيال سمعته وإلغاء وجوده. “The mechanism” مسلسل في “نيتفلكس”. شاهدته بنهم؛ لأنه يحكي قصة الفساد في البرازيل في المشاريع وفي النفط وفي كل شي وانتفاخ الفساد على حساب الناس.

كنت حذرا، وأنا أشاهد المسلسل رغم إعجابي به لكني وجدته يضع الرئيس البرازيلي السابق، والمسجون حاليا في موقع الاتهام في شكل درامي ومؤثر. أنا لا أثق كثيرًا في الأميركان في الحكم على التاريخ ونقاء كف الشخصيات خصوصًا عندما يتناولون شخصية يسارية أو وثورية أو أي شخصية لها شعبية كبري كقامة لولا دا سلفا ومتابعتي للاقتصاد السياسي يختصر علي حلم أميركا النفطي وشراهتها في مصالح دولة كالبرازيل، علما أن لولا دا سلفا البرازيل يختلف عن شافيز فينزويلا قلبا وقالبًا.

الزعيم الذي غير البرازيل، وقاد الفقراء إلى مقاعد الدراسة في الجامعات، لهذا كره الأغنياء والقطط المنتفخة فسادا في البرازيل، لأني أعلم أن سيكولوجية كثير من الأغنياء يكثرون على أي فقير أن يزاحمهم ولو في نوعية عطر يرشوه على ثيابهم؛ لهذا نجد الأديب الروسي دوستويفسكي يقول عن الأغنياء “إنهم يتسامرون ويهمسون بينهم ليطمئنوا أنفسهم (أمازال الفقراء بخير) (وما أوسع القرص في جيب الغير)”. المسلسل هو خلاصة كتاب فيه من الجمال وقوة وتماسك النص وإبداع الإثارة إلا أنه سقط سقطة كبيرة في انحيازه لليمين البرازيلي على اليسار الذي يمثله لولا دا سيلفا.

كمتابع ومراقب في الثقافة والاقتصاد السياسي، أعرف جيدا كيف بإمكان الإعلام والصحافة والقضاء في دول كدول أميركا اللاتينية أن تتلاعب بأوراق أي قضية لاغتيال زعيم مثل سلفا.

سلفا هو شخصية من القلائل التي جاءت من أوجاع الناس من الطبقة اليسارية ومازالت محافظة على العقلانية والنضج الأيديولوجي وألم الواقع وفن إدارة الحكم. سوف أتكلم عن إنجازات سلفا وكيف حوّل البرازيل من دولة مدينة إلى دائنة من غارقة في الديون إلى أن تقرض صندوق النقد الدولي، بل إن الصندوق “اقترض” من البرازيل 14 مليار دولار أثناء الأزمة العالمية في 2008، أي بعد 5 سنين فقط من حكم “لولا دا سيلفا”. وهو نفس الصندوق الذي كان يريد أن يشهر “إفلاس” البرازيل في 2002، ورفض إقراضها لتسدد فوائد القروض.! بفضل تركيز دا سيلفا على 4 أمور: الصناعة، التعدين، والزراعة، وطبعا التعليم، هذا عن تحويل مناطق الفقراء إلى ورش عمل وكيف صنع الطبقة الوسطى في البرازيل ورفع الاقتصاد.

دراسة ماذا فعل هذا الرجل الكبير ضرورة للبنان والعراق وعالمنا العربي والإسلامي لنفهم كيف باستطاعة رجب أيقونة كان يمسح الأحذية إلى منديل بشري يكفكف دموع الفقراء. بإمكان الاقتصاد أن يكون للأغنياء وللفقراء أيضا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية