+A
A-

المردي: أهمية وجود مجلس أعلى للصحافة.. العرادي: مضت 17 عامًا ولابد من "التجديد":

شهدت ندوة "تاريخ قانون الصحافة في البحرين" والتي استضافها مجلس محمد الكويتي مساء الإثنين 21 أكتوبر 2019 مناقشات ومداخلات طرح فيها رواد المجلس مجموعة من الآراء والانطباعات حول أداء الصحافة المحلية، تركزت على الطموح لصحافة وطنية تنبض بهموم المواطنين وتقترب من حياتهم اليومية وتبحث القضايا المهمة المطروحة على الساحة.

دوران: إعلامي وإصلاحي

وفي مقدمة الترحيب بالضيوف والشخصيات بحضور الرئيس التنفيذي لصحيفة "البلاد" أحمد البحر والأمين العام لجمعية المنبر التقدمي الكاتب الصحفي خليل يوسف وعدد من المهتمين، قدم الكويتي مستهلًا قصيرًا حول موضوع الندوة الذي يتناول تاريخ الصحافة في البحرين وقانون الصحافة رقم 47 لسنة 2002 الذي مر عليه زمن طويل وما زال قيد المداولات والمراجعات، لكنه قدم المتحدثين وهما رئيس تحرير صحيفة "البلاد" مؤنس المردي وعضو مجلس الشورى علي العرادي لإلقاء الضوء على الموضوع باعتبارهما أهل اختصاص لإفادة الحضور، مؤكدًا أهمية القانون لكي تقوم الصحافة بدورها الإصلاحي وليس فقط الإعلامي، وبالتالي، فإنها في الجانب الإصلاحي لابد أن تطرح الرأي الصريح وحرية الكلمة.

ومن جانبه، تناول المردي نبذة تاريخية حول قوانين الصحافة في البحرين باعتبارها من أوائل الدول العربية بصفة عامة والخليجية بوجه خاص في مجال الصحافة منذ صدور أول صحيفة بحرينية في مارس 1939 وهي صحيفة البحرين على يد الأديب الراحل عبدالله الزايد الذي يعد الأب الروحي للصحافة البحرينية، وتبعها إصدار العديد من الصحف والمجلات ذات الاهتمامات المتنوعة.

إعلان تنظيم الصحافة

وزاد قوله أن البحرين، ومنذ ذلك الوقت، أدركت دور الصحافة والطباعة وحرصت على أن يكون عملها منظمًا وقانونيًا وعرفت منذ ثلاثينيات القرن الماضي التشريعات المنظمة للعمل الصحفي بما يمكن اعتباره التأسيس الأول للتشريعات الصحفية تزامنًا مع دخول المطبعة إلى البحرين، وقد سُمي آنذاك بـ "إعلان تنظيم الصحافة"، وهذا يؤكد على أن البحرين رائدة منذ ذلك الوقت، وتطور هذا الإعلان باستمرار مواكبة التطورات والتحولات، ففي كل مرحلة من مراحل الصحافة البحرينية حتى اليوم شهدت التشريعات المنظمة تطورًا كبيرًا منذ صدور أول قانون في 15 فبراير 1930 والذي تم استبداله بقانون آخر للصحافة في 24 نوفمبر 1954 ، واستمر الوضع على هذا النحو حتى صدور قانون النشر والمطبوعات في العام 1965، ليعيد تنظيم العمل الصحفي، واستمر العمل فيه حتى صدور قانون شامل ينظم العمل الإعلامي بشكل كامل وهو المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 1979 بشأن المطبوعات والنشر.

وصولًا إلى قانون 47 لسنة 2002، مهد المردي بالإشارة إلى أنه مع تولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، مقاليد الحكم سنة 1999 وانطلاق مشروع جلالته الإصلاحي،  شهد المجال الصحفي تطورات مهمة استوجبت إدخال تعديلات على التشريعات، وصدر المرسوم بقانون رقم 47 لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، ومع ما شهده الحقل الإعلامي من تطورات بفضل التطور التكنولوجي، مما أثر ذلك في مجال الإعلام وعلوم الاتصال وهو الأمر الذي حتم ضرورة وجود تشريع عصري لتنظيم الصحافة والإعلام على وجه العموم، يواكب التطورات والتغيرات في فنون العمل الصحفي.

قانون مستنير للصحافة

وبعد استعراض لبنود القوانين والتشريعات منذ الثلاثينيات حتى القانون الجديد الذي لم يقر حتى الآن، قال المردي :"لا أعلم إلى أين وصل الأمر بالقانون الجديد الذي سيتكلم عنه عضو مجلس الشورى علي العرادي، إلا أن القراءة التي قدمتها لكم حول تطور قانون الصحافة في البحرين تشير إلى أننا متقدمين في التشريعات، وما وصلت إليه الصحافة البحرينية اليوم لم يكن مقتصرًا على 17 عامًا منذ صدور القانون الجديد، لكن له جذور تاريخية تحققت بفضل رواد الصحافة الأوائل".

وتناول عضو مجلس الشورى علي العرادي الحديث عن مكانة البحرين كمنارة للثقافة والمعرفة في منظومة مجلس التعاون الخليجي، ليشير إلى العهد الزاهر لجلالة الملك المفدى لم يقتصر فقط على إعادة الحياة السياسية، بل تجاوز ذلك إلى آفاق أرحب ومن ضمنها الطموح لأن يكون في البحرين قانون صحافة مستنير كما أشار جلالته في عدة محافل.

وأوضح أنه، وقبل أن يصدر قانون 47 ، شكلت لجنة لكي تضع المباديء العامة ضمن في عضويتها كل من: الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية، ابراهيم بشمي، غسان الشهابي، عيسى الشايجي وسوسن الشاعر، وكانت مهمتها وضع المباديء التي تنظم العمل الصحفي وتوازن بين إعطاء الحريات من جهة، وأن يمارس الصحفي والإعلامي عمله دون أن يتعدى على حقوق الآخرين، وقد وضعت اللجنة مجموعة من المباديء التوجيهية وهي قرابة 12 مبدأ، كما وضعت مجموعة من الضمانات ومنها ألا يتم حبس الصحفي وأن تكون العقوبة مقتصرة على الغرامة المالية، إلا أنه بعد صدور القانون، شعر مجموعة من الصحفيين آنذاك أن هذا القانون لا يتواءم مع المشروع الإصلاحي، ولهذا رفعت اللجنة تقريرها إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء،  كما أمر صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، بتشكيل لجنة لوضع مباديء لتعديل قانون الصحافة، وشكلت اللجنة بعد صدور القانون، فالقانون صدر في 23 أكتوبر 2002 ونشر في الجريدة الرسمية.

وأعطى العرادي لمحة سريعة عن بنود قانون "47" الذي يضم 96 مادة في أربعة أبواب، وكونه صدر وفق مفردة "تنظيم" فإن ذلك يعني تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، كما استعرض أبواب القانون ومنها الباب الأول الذي شمل التعريفات بشكل عام والباب الثاني الذي تناول الإعلام والثالث الذي تناول الطباعة والنشر والباب الرابع الذي تناول الأحكام العامة.

دور السلطة الرابعة

وفي الوقت المخصص للحضور، تحدث الباحث الاقتصادي عادل اليحيى عن لجوء المواطن إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فيما نتمنى من الصحافة المحلية أن تهتم بنشر الموضوعات التي تهم المواطن البحريني في الأمور المعيشية المختلفة، فهي "السلطة الرابعة"، ولابد أن تكون ذات "حرية أكبر"، ومع الأسف الشديد، هناك القليل من يقرأ الصحافة فاتجه للتواصل الاجتماعي كتويتر والواتس أب، وهناك قضايا كغلاء المعيشة والبطالة والعمالة الوافدة فحبذا أن تكون الصحافة البحرينية أكثر حرية لنقل هموم الناس.

وفي معرض رده على هذه النقطة، أشار المردي إلى أن الصحافة تطرح بالتأكيد قضايا تهم المواطن، وضرب مثلًا على هذا الصعيد، وهو اهتمام صحيفة "البلاد" ببرنامج مزايا السكن الاجتماعي وتبنت الصحيفة الموضوع إلى أن صدرت توجيهات سمو ولي العهد لإعادة دراسة البرنامج، وكذلك في قضية "الفيزا المرنة"، فقد تناولت "البلاد" الموضوع بالبحث مع المسئولين والمتخصصين وكذلك في المقالات والتقارير، ولكن متى يحدث التأثير والنتائج، فهذا ليس في يد الصحيفة، أما بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي فلا تستطيع الصحف أن تنشر ما يمكن وصفه "فضفضة" الناس في وسائل التواصل بأسلوب لا يمكن نشره في الصحف، فعلى سبيل المثال، تعرض بعض أعضاء مجلس النواب لحملة استهداف في وسائل التواصل الاجتماعي بالهجوم والتشهير وهو "استهداف لشخوص"، لكن ذلك غير ممكن في الصحافة كونها تعمل في إطار معين وبأسلوب محترم.

وعن جزئية طرحها الكويتي حول أهمية قانون الصحافة، أشار المردي إلى أن القانون الجديد لم يتطرق إلى "المجلس الأعلى للصحافة"، ولا أعلم لماذا؟ وأنا من المتفائلين بوجود مجلس أعلى للصحافة، لأنه سينظم عملية إصدار للصحافة والإذاعة ومحطات التلفزيون والمواقع الإلكترونية، وهذا المجلس ليس "بدعة" بل موجود في العديد من دول العالم، فنحن لا نرى في القانون الجديد إلا "فلوس وغرامات"، فيما نحن نحتاج إلى قانون مستنير يواكب التطور في البلد وليس قانون عقوبات.

لابد من مراجعة وتجديد

وطرح كل من الشيخ جاسم الذوادي وضيف المجلس "بوبشار" حول مسئولية الصحافة وأمانتها ولماذا تأخر القانون؟ بالإضافة إلى عدم وجود صحف معارضة، وفي هذه الصدد، أشار العرادي إلى أن قانون "47" مضى عليه 17 عامًا ولابد من تجديده، وهناك في تصوري، وبعد مرور هذه المدة، لابد أن يكون للسلطة التشريعية دور في إعادة مراجعة القانون وكذلك هناك دور لمنظمات المجتمع المدني ليكون لهم الإسهام في التعديل، أما عن الصحف المعارضة، فتجربتها غير ناجحة في الكثير من الدول، وهناك دول أخرى ليست فيها صحف معارضة، والمعارضة الحقيقية أن تطرح كل فئات المجتمع وتعبر عن رأيها في صحافتها، فضلًا عن أن صحف المعارضة تصدر في الدول التي تعمل فيها أحزاب له صحفها، وهناك دول فيها أحزاب وليس لديها صحف.

وتحدث علي الفضلي في مداخلته بالإشارة إلى أن سبب تأخر صدور القانون هو لأن الدولة ليست جادة، ولو كانت كذلك لوفرت الظروف لتهيئة الرأي العام كما حدث مع موضوع ضريبة القيمة المضافة ورفع سعر البنزين، ويفترض هنا في الصحافة المحلية أن تقرأ خارج السطور، وما زلت أطالب بمجلس تخطيط كما هو مجلس الصحافة الذي أشار إليه المردي، ولو كانت الدولة جادة لوضعت أسس مجلس التخطيط، حتى رؤية 2030 لم تتحدث عن دور الصحافة.

وأشاد الدكتور محمد الحوسني في مداخلته بما تطرحه صحيفة "البلاد" التي تتميز عن سائر الصحف بموضوعاتها، متسائلًا عن دور أعضاء مجلسي الشورى والنواب في تحريك قانون الصحافة، لا سيما وأن الصحافة هي التي "تسوق للنواب" وتقف معهم في معظم الأحوال.

بين الورقي والإلكتروني

وفي تعليق على ما طرحه بعض الضيوف حول تقدم وسائل التواصل الاجتماعي على الصحف، أشار المردي إلى أن للصحافة الورقية قراءها بالطبع، ولكن المطلوب هو تغيير المضمون لمواكبة التطور الجديد، فعلى سبيل المثال، حين ظهر "التلفزيون" فإنه لم يلغي دور "السينما"، وما تقرأونه في المنصات الإلكترونية يعتمد بنسبة 70 إلى 80 بالمئة مما تنقله من أخبار الصحافة، فالصحافة الورقية أعلى من ناحية المصداقية.

وحول الفرق بين قانون الصحافة وقانون العقوبات كما طرح الحضور، أوضح العرادي باختصار أن هناك معاملات مختلفة، وقانون الصحافة يشير إلى عقوبات تضمنها "قانون العقوبات"، فلا عقوبة بلا نص، وقانون العقوبات يشرح الفعل الجرمي والعقوبة لهذا الفعل العلاقة السببية وغيرها، أما بالنسبة للتساؤل المتعلق بدوري كنائب سابق في تحريك قانون 47، أقول أن الدورة التشريعية تمتد لأربع سنوات، ويمر القانون منذ اقتراحه بعدة مراحل معروفة، وكونك عضوًا في السلطة التشريعية فأنت تتعامل مع مجموعة كبيرة من الوزراء والمستشارين القانونيين مما يتطلب الكثير من الوقت.

صحافة لول.. صحافة ألحين

وقدم محمد شمس مداخلة عبر فيها عن "استحسانه" بمستوى صحافة اليوم بالقول :"اليوم الصحافة أحسن من لول.. في السابق، وهذا الكلام في الثلاثينات، كان هناك شخص اسمه "جيفري آثر" وهو انجليزي له مكتب في الجفير، كان يفحص كل فيلم وكل صحيفة تأتي إلى البحرين لمعرفة ما إذا كان فيها "شيئًا" ضد سياستهم، ونتذكر تاريخ عمل مطابع كان لها دورها في تطور الصحافة كمطابع الزيرة، الشرقية، النجاح وأوال.

وأكد الناشط الاجتماعي عبدالله الحمادي على ضرورة أن تهتم الصحافة بنقل مشاكل المجتمع، فلي تجربتي في التواصل مع الصحافة حتى قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وطرحت العديد من المواضيع الحساسة لكن أجد هناك حالة خوف من نشر تلك القضايا، وأتذكر أنني تواصلت مع إحدى الصحفيات لطرح موضوع معين فكانت خائفة لدرجة أنني وقعت على ورقة أتحمل فيها المسئولية الكاملة حال اعتراض أي جهة على الموضوع، فالصحف المحلية من الممكن أن تغطي المواضع المهمة، ولا نحتاج إلى صحافة معارضة بل إلى مواضيع تهم المواطنين، ومع وجود التواصل الاجتماعي نجد أن الصحف تتشابه ولا تغطي ما يعاني منه المجتمع وليس لها وجود في الشارع! مثلًا هناك محلات تجارية تغلق فلماذا لم نجد أي تناول للموضوع أو مقابلات مع التجار؟

وردًا على المقارنة بين الصحف البحرينية والتطور الذي تشهده الصحف الخليجية وتفوقها على صحفنا، قال المردي أن من حق القاريء "ألا يحب صحافتنا وهذه وجهة نظر نحترمها حين يرى أنها لا تحتوي على شيء وهذا حقك"، ربما الصحافة الخليجية تبهرك بألوانها، لكن الشفافية في الصحافة والحرية فنحن متقدمون عليهم، وفي الجزئية المتعلقة بتقدم الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل على الصحافة الورقية، قال المردي :"ليس هناك ثقة اليوم في موقع أو صحيفة إلكترونية إن لم يكن لديها مطبوعة ورقية، وأعطيكم مثالًا :"في العام 2012، قررت مجلة نيوزويك أيقاف الطباعة الورقية، ومن ثم تعتمد على تاريخها وعلى موقعها، وعادت بعد 4 سنوات للطباعة لأن الناس نسوها! وهنا نقول أن الصحافة الإلكترونية مثل "الثقب الأسود" من يبحث فيها يتوه، ولكن المصداقية ما زالت الصحافة الورقية".