العدد 3995
الأحد 22 سبتمبر 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
أهمية وجود سيارة إسعاف اقتصادية عند أي أزمة عالمية
الأحد 22 سبتمبر 2019

أغلب اقتصادات دول اليورو تعاني من هزال، وتنام على سرير المرض مهما وضعت مساحيق اقتصادية على وجهها الشاحب، بل الأكثرية من اقتصادات العالم تشهد حالة تباطؤ في النمو أو ثابتة. ولي مقال لاحقا عن تجربة بعض الدول الاسكندنافية (السويد والدانمارك والنرويج)، كيف نستفيد من هذه الممالك اقتصاديا واجتماعيا، وكيف تحولت إلى (جنان الله والإنسان على الأرض)، وحتى فنلندا، فهي من ضمن مجموعة الاتحاد الأوروبي إلا أن تجربتها رائعة وأغوتني لزيارتها، دول في رفاهية في التعليم والصحة والسكن ودخل الفرد والبنية التحتية، وكذلك في الديمقراطية الذهبية.

أقول، ما عاد اقتصاد دول اليورو القدوة الحسنة، فنمو أمريكا والصين ثابتة، في حين إيطاليا تمشي بالكرسي المتحرك (ويل جير)، وفرنسا تعاني ديونا، أصبحت هما بالليل وذل السترات الصفراء في النهار. أما دول أمريكا اللاتينية أو العالم العربي، فأغلبها تعيش على المضاد الحيوي. فإذا كان هذا حالة رشتة العالم، والوصفة الطبية للاقتصاد العالمي، فما بال اقتصادنا نحن كدول خليجية يريد أن يغدر بنا الجار قبل الغريب، والعالم يتوحم على ما نمتلكه من نفط وغاز؟ اقتصادنا بحاجة إلى عمليات جراحية ضرورية. أوروبا مصابة بالشيخوخة، فلا يمكن الرهان الكامل عليها. بوتين قضم القرم، ولم تعمل له شيئا، الأمن ضغوط متواضعة، وبريطانيا تفتقد لعبقرية تشرشل في إدارة الأمور، وهي متوترة وفي ضبابية لما سيؤول له البريكست، وجونسون نفسه لن يكون مصباحها السحري مثل تشرشل، (فلا يكفي أن تجلس في مكتب ونستون تشرشل لتصبح تشرشل).

ولم تتكرر هيبة ديجول في فرنسا، وأما ألمانيا، فلا يوجد عندهم طابعة بشرية لإعادة استنساخ هلموت كول أو أنغيلا ميركل. الكل يبكى زمنه الجميل. إذن لابد هنا في البحرين أن نضع يدنا مع القيادة لنخطط كيف نستطيع أن نحمي اقتصادنا من المطبات الجوية، ونحن نطير في طائرة العولمة الاقتصادية بقيادة (الليبرالية الجديدة). أن نفكر كما فكرت سنغافورة عندما انفصلت عن ماليزيا، وهي ممتلئة بالعناكب والصراصير والمستنقعات؛ لذلك كلما تحصنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حمينا اقتصادنا من أي مرض خارجي.

نعم، العالم يقوم على نظام المصالح وليس الحب الرومانسي، وهذا ماكرره آدم سميث: (لا تنتظر من الجزار أو بائع الجعة أو الخباز أن يوفر لنا عشاءنا بفعل الاهتمام بنا وحده، بل بفعل الفائدة التي يجلبها توفير هذا العشاء لمصالحهم، إننا لا نتوجه بالخطاب لإنسانيتهم وإنما لأنانيتهم). أقول: يجب أولا: أن نعمل على توفير أعشاش اقتصادية آمنة، من شأنها جلب رؤوس الأموال، ومن ثم تفقيس بيض المستثمرين على أشجار اقتصادنا الوطني، فالمتثمرون الآن - وفي ظل ذعر اقتصادي عالمي-يبحثون عن ملاذات آمنة، وهناك أمراض عضال لا يمكن علاجها ومستدامة في الاقتصاد العالمي بسبب ذات النظرية الرأسمالية. ثانيا: المستثمرون والمستشارون الاقتصاديون لا يعترفون بمداولة الأسهم في ظل سوق هابطة بالفعل، فلابد من صناعة محمية اقتصادية خاصة. ثالثا: البقع السوداء التي بدأت تتحول إلى قروح داميا في جسد الاقتصاد العالمي بسبب الديون وتباطؤ النمو والحروب والتوترات كلها تخيف رأس المال، والقوي من يجذب صقور هذه الأموال.

السؤال: لماذا قرع الجرس، ودق طبول التحذير لاقتصادنا الوطني من الحذر والتحوط لأي أزمة قادمة؟ الجواب: إذا كانت هذه الاقتصادات المتقدمة، وهي غير محصنة، فما حال اقتصادنا إذا لم نحصنه من الآن؟ هذه الاقتصادات العملاقة كأمريكا والصين واليابان وألمانيا هي الأكبر، حيث تمتلك احتياطا ضخما من العملة الصعبة، والذهب، وتمتاز بالإنتاجية في القطاع الصناعي، والمرونة في القطاع المالي إلا أنها غير محصنة من أي خطر (بجعة سوداء) تصيبها، فتخسر المليارات، فكيف بنا نحن؟ فنحن نعد أقل مناعة بكثير. يقول تقرير أوروبي في مدى قدرة هذه الدول على التعافي: ((تستطيع ألمانيا أن تستخدم فائض موازنتها لزيادة النمو، في حين أن الولايات المتحدة يمكن أن تخفض عجز موازنتها، ويمكن للصين أيضا أن تمضي قدما في إعادة التوازن الاقتصادي”، والسؤال: هل لو مرضنا اقتصاديا هناك من يضمن وجود المناعة، ونحن نعاني عجزا في الميزانية، ودينا عاما كبيرا أعلى من الناتج المحلي الإجمالي تقريبا بثلاث مرات، إضافة إلى أن حجم الإنتاج النفطي لا يتعدى الـ 200 ألف برميل في اليوم، واحتياط البحرين من العملات الصعبة ليس بالكثير وحتى احتياط الذهب، بالنسبة للدول، وذلك لقلة مواردها، فلابد عند سياسة التقشف، وبرنامج التوازن المالي، هو وضع خطة إستراتيجية بعيدة المدى تعمل على الإنعاش الاقتصادي بالتنوع والنمو ليكون هناك فائض بشكل عام يقود الى زيادة العملة الصعبة، والعمل على شراء الذهب كمخزون كما تعمل الصين الآن، وكما عمل لبنان في الستينات، وتأسيس نظام ضريبي مدروس فيه البعد الاجتماعي، فالقوة الشرائية باتت ضعيفة بسبب تضخم الأسعار، وتعدد سياط الضرائب.

وأعيد وأكرر، هل من خطة إستراتيجية للبحرين لتقليل مخاطر لو شب حريق، ولو مفتعل في الاقتصاد العالمي؟ هل من وجود سيارات إسعاف مجهزة اقتصاديا وماليا لو أصاب أي قطاع بحريني بعدوى اقتصادية من خارج الحدود أو كسر في مفصل أي قطاع سواء المالي أو غير؟ هل لوزارة التجارة أو لغرفة البحرين دور تثقيفي للتجار في كيفية استخدام سترة النجاة عند حدوث أي توسونامي في الاقتصاد العالمي؛ كي لا يتكدسوا أمام المحاكم بسبب الإفلاس؟ اليوم، علينا أن نعمل جميعا على التفكير الجاد اقتصاديين ومثقفين في دعم توجهات القيادة في بلورة رؤية لدعم الاقتصاد الوطني بمزيد من الأفكار والرؤى؛ كي نحمي اقتصادنا من أي أزمة اقتصادية تضرب العالم لا قدر الله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية