العدد 3977
الأربعاء 04 سبتمبر 2019
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
من البحر إلى البحر
الأربعاء 04 سبتمبر 2019

مع توجيه سمو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان حفظه الله، لمعالجة موضوع سحب الرمال، من منطلق حرص سموه كعادته على الاستجابة الفورية لكل ما يتعلق بهموم هذا البلد، فقد تبادرت إلى ذهني مسألة البيئة برمتها وتداعياتها المستقبلية على الحياة العامة، فموضوع البيئة وحمايتها ليست فقط مهمة الحكومة وحدها، فالقطاع الخاص يتحمل مسؤولية، وأعني هنا الشركات الكبرى التي أقامت مشروعات استحوذت على السواحل ومياه البحر وبلغت أعماقه، ولابد أن نتذكر أن إقامة هذه المشاريع سبقها سحب الرمال من جهة بالبحر، ودفن البحر من جهة أخرى، وهي عملية مزدوجة تتخطى البيئة لتصل إلى تهديد سلامة البحر واليابسة، فقد ضاق البحر واختفت السواحل وفقدت الثروة السمكية زخمها، وبدلا من أن تكون البحرين رائدة بهذا المجال صارت تزرع وتستورد الأسماك بعدما كانت قبل عقود توازي سلطنة عمان في هذا المجال.

على الدولة أن تنظر بجدية ورقابة لإنشاء المدن والجزر، فهناك حدود للبحر إذا سخط، وهناك حدود لليابسة إذا غضبت، فلكل شيء حدود، وهذا يتطلب من القطاع الخاص العقاري الذي همه الأول بناء الناطحات والجزر والمدن أن يراعي أن هذا البلد ليس فقط يابسة، وأن البحر ليس مجرد مياه حرة، هناك نتائج وتداعيات لن نراها اليوم ولكن بعد ثلاثين سنة وأكثر سيلعننا الجيل الذي سيعيش بهذا الوطن لأننا سلمنا له وطنا مزقته المصالح ولم يفكر أهله بمستقبل أجيالهم.

لقد أثار توجيه سمو رئيس الوزراء بضرورة دراسة موضوع سحب الرمال، أشجاني ودفعني للتذكير بأن هذا ليس المقال الأول الذي أكتبه، فقد سبق أن حذرت من قضم البحر، فأذكر وأنا بسن الطفولة والشباب حين ألتحق بفصل الإجازة المدرسية مع خالي رحمة الله عليه إلى البحر أننا نجتاز المسافة من مرفأ المحرق إلى ما وراء جسر خليفة بن سلمان بعدة كيلومترات وحينها نبلغ العمق، واليوم عندما أتأمل الجزر والمدن أرى أنها بلغت تلك النقطة، فماذا بقي من البحر ما بالك بالسواحل التي أصبحت ملكاً خاصا، لا تقترب منها إلا بتصريح وفاتورة، علماً أن هذه السواحل كانت لعقود طويلة ملكاً للمواطن الذي كان يسترزق بالصيد وللباحثين عن الترفيه والفرجة ممن كانوا يرتادون تلك السواحل التي أضحت للأسف عزبة خاصة.

من هنا يجب على القطاع الخاص تحمل المسؤولية مع الحكومة، وإن لم يفعل ذلك فعلى الحكومة إجباره بالقوانين والتشريعات، وإلا سترث أجيالنا وطنا بلا بحر، وبلا يابسة.

تنويرة:

لا تسرع وقت البطء ولا تبطئ وقت السرعة!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية