العدد 3977
الأربعاء 04 سبتمبر 2019
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
نظرية البجعة السوداء في الحب والسياسة والاقتصاد (33)
الأربعاء 04 سبتمبر 2019

نظرية البجعة السوداء نظرية تشير إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث النادرة. وقد بنيت هذه النظرية على الفكرة السائدة بأن البجع كله أبيض، ولكن تم اكتشاف البجع الأسود في أستراليا، والذي كان حدثا غير متوقع أبدا، هذه النظرية تنطبق على الأحداث التاريخية التي لم يكن من الممكن التنبؤ بها في أكثر الاحتمالات منطقية. هذه النظرية مخيفة وقد تقع في العلاقات الغرامية والحب والسياسة والاقتصاد أيضا.

فمن ناحية الحب، قد تكون اطمئنانك لعلاقة غرامية مفعمة بالحب ومتماسكة ظاهريا أو كما تعتقد، وإذا يحدث حدث من جهة من الجهات لم يكن في الحسبان، فتحول هذه العلاقة إلى جحيم أو أشلاء علاقة تلاحقك مدى الحياة. فقد تتلقى طعنة غدر أو توحش قدر أو مؤامرة مقربين. البجعة السوداء خرجت للأميرة ديانا، فالملايين التي كانت منبهرة، وبعضها كانت تحسدها عند مشاهدتها ليلة الزفاف الأسطوري لم تكن تعتقد أن (البجعة السوداء) خرجت لها من البداية حتى النهاية المأساوية بباريس.

من كان يصدق البجعة السوداء غير المتوقعة لنجمة السينما الأميركية الحسناء مارلين مونرو بالنهاية المأساوية. لا تراهن على الحب أو المال أو المنصب، فكلها تحمل في طياتها بجعا سوداء من الصدف، وأنت لا تعلم. كل نقطة ضعف فيك فخ مستقبلي، وكل إغراء ظاهري بجعة سوداء في الباطن. كن وسطيا، استمتع بكوكتيل الحياة، ولا تجعل شيئا محور حياتك عدا الله.

إن نظرية البجعة السوداء تلتقي بجهة أخرى مما طرحه الفيلسوف الألماني هيغل في نظرية (مكر التاريخ)، والتي مفادها: لا تعتمد على الحسابات الرقمية، وتوازنات الحياة الظاهرية، وغطرسة القوة، وانتفاخ نرجسية الواقع أو تكاثر المال، فليس هناك تحصين مطلق من مكر تاريخ أو غدر حبيب أو انقلاب صديق أو تبخر مال أو غياب منصب. الحبيب جلاد تحت التدريب. هل كان نابليون في حملاته وأوج قوته يعتقد أن النهاية مأساوية؟ هل كان يعتقد أن مع خططه كانت هناك خطط أخرى للتاريخ، وكثيرا ما نخطط والتاريخ يضحك علينا. قرأت النظرية الميكافيلية، وأطروحات روبرت كرين في كتابيه (فن الإغواء)، و(كيف تمسك بزمام القوة)، لكني لا أؤمن بنظرية إلغاء القيم في السياسة، فمهما كان النجاح في البداية مغريا وأسطوريا يبدأ السوس ينخر في نهاية المطاف.

ومدرسة الإمام علي “ع” تقول: (من سل سيف البغي قتل به)، وهذا ما حدث للنازية والإستالينية. من كان يصدق أن أمبراطورية بريطانيا تتهاوى، وتسقط مستعمراتها حتى ترجع إلى حجمها الطبيعي، ويصبح اقتصاد الصين واليابان وألمانيا أقوى منها! حتى الحضارات تشيخ عندما لا تلتفت لخطورة بجعات سوداء غير متوقعة.

أين هو الاستعمار الإسباني؟ لا أحد محصن في الوجود، وكلما مزجنا العقل بالقلب مع الاقتصاد سنصل لحياة أكثر أمنا وسعادة. والسؤال: هل نحذر من خروج بجعة سوداء في الاقتصاد؟ كل النظريات تسقط أمام مكر التاريخ، فأين هم المستشارون الاقتصاديون للدول العظمى ودول العالم عندما ضرب الاقتصاد العالمي أزمة ظمى في سنة 1929، والأزمة الاقتصادية التي ضربت النمور الاقتصادية الآسيوية العام 1997، وأزمة الرهن العقاري في أميركا 2008. وأنا أتوقع خلال عامين تكون الأزمة الكبرى بسبب تعملق الديون العالمية بشكل مرعب. فهي بالتريليونات، وستكون الأشد.

البجعة السوداء في السياسة ظهرت في مواقع مختلفة. ظهرت في فيتنام لأميركا. ظهرت للعراقيين عندما أسقطوا النظام الملكي، وابتلت الدول بلوثة المراهقات بسقوط الأنظمة الملكية في اليمن وليبيا والعراق ومصر، وها نحن نشهد خراب هذه الدول الآن بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة.

ظهرت البجعة السوداء لصدام حسين في الكويت. ظهرت للاتحاد السوفيتي في أفغانستان. الآن بدأت تظهر للرئيس التركي عندما انتقل من نظرية تصفير الأزمات مع الجوار الى إشعالها تحت إغواء، وبريق عودة السلطان العثماني ومحاولاته لإضعاف دولنا الخليجية. احذروا من صدفة البجعة السوداء، فهي تخرج عندما تتراكم الأخطاء في الحب والسياسة والاقتصاد، فتأتيك من حيث لا تحتسب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .