العدد 3958
الجمعة 16 أغسطس 2019
banner
حروب الجيل الرابع
الجمعة 16 أغسطس 2019

في العلوم السياسية أو الكليات العسكرية تُدرس نظرية المؤرخ الأميركي “وليم ليند” عن أجيال الحروب الحديثة بدءًا بالجيل الأول بعد “معاهدة ويستفاليا” وانتهاءً بالرابع في عصرنا الحالي، ونُشرت هذه النظرية في نهاية الثمانينات تحت عنوان “The Changing Face of War”، ولكنها لم تكتسب أهميتها إلا بعد ١١ سبتمبر ومهاجمة برجي التجارة والبنتاغون من قبل تنظيم إرهابي متخلف عن الولايات المتحدة بمراحل، من الناحية العسكرية والتقنية، وهو ما كان قد أشير إليه في النظرية عن إمكانية تحقيق نتائج عسكرية ونفسية كبيرة باستخدام الإرهاب وليس الجيوش والأسلحة التقليدية، بعد ذلك نُشرت العشرات من الكتب والبحوث التي تشعبت في هذه النظرية، وأضافت وعدلت أو انتقدت وفندت، فهناك الشق الاستراتيجي العسكري وهناك جانب العلوم السياسية وكذلك القانون الدولي، ولست هنا بصدد التركيز والتوسع فيها علمياً.

حروب الجيل الرابع لا ترتكز على الجانب العسكري فقط، وإن حدث فبأقل عدد ممكن من الجنود على الأرض مع هجوم جوي مكثف، وعادة يكون ذلك في المراحل الأخيرة، الارتكاز يكون على الجانب المدني، بتعبير آخر الوسائل غير الخشنة، الحرب الاقتصادية، الضغط النفسي المستمر، استهداف المجتمع المدني ومؤسساته ومحاولة الوصول به إلى الشارع (إقناع، تغيير، تأثير)، كما يمكن أيضا استخدام الجماعات المنظمة غير النظامية وتسليحها وتحريكها داخل المدنيين، الأمر الذي يصعب على الجيوش والقوات النظامية محاربتها والقضاء عليها، وهذا من أنواع حروب الوكالة التي قد تجري على أرض العدو أو على أرض دولة أخرى ضعيفة سياسياً وأمنياً. وأخيراً وليس آخراً: التكنولوجيا والهجمات السيبرانية.

إن من أهم التحديات التقنية اليوم على سبيل المثال، الطائرات المسيرة والهجمات السيبرانية، وهذان الشكلان يحدثان خارج إطار الحروب التقليدية، كما لم تتم تغطيتهما بشكل حقيقي في القانون الدولي أو بموجب اتفاقيات جنيف، حيث لم تتوقع هذه الاتفاقيات إمكانية تعدد استخدامات هذه التقنيات.

هذه الأشكال من الحروب نحن نعيش اليوم جانباً عملياً منها، فالسعودية على سبيل المثال تسقط بشكل شبه يومي طائرات مسيّرة إيرانية تطلقها ميليشيا الحوثي، وقبل أيام تم قصف مستودع أسلحة للحشد الشعبي في العراق، ويرجح أنه بطائرة مسيرة. اليوم أغلب القوى الإقليمية أسست أجهزة حكومية مختصة بالأمن السيبراني، وهي لا تقل في أهميتها عن وزارات الدفاع. السعودية على سبيل المثال أسست في ٢٠١٧ الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، ويضم مجلس إدارتها كلا من رئيس الاستخبارات العامة، ورئيس أمن الدولة، ونائب وزير الداخلية، ومساعد وزير الدفاع، ويرأسه وزير الدولة د. مساعد العيبان، وكانت المملكة قبلها قد صدّت عدة هجمات سيبرانية كان أشرسها “شمعون” الموجه لشركة أرامكو عام ٢٠١٢، ورغم عدم اختراق السيرفرات المركزية للشركة ومعلوماتها، إلا أنها أعطبت الآلاف من أجهزة الكمبيوتر الخارجية. الولايات المتحدة تلقت هجمات منها “أبابيل” على مؤسسة “لاس فيغاس ساندز”، وإيران المتهمة بالعمليات السابقة هي نفسها كانت قد تلقت هجمة “ستاكسنت” المدمرة على برنامجها النووي في ٢٠١٠، كما تلقت مؤخراً هجمة على أنظمة الصواريخ، والحواسيب العسكرية التي تراقب مضيق هرمز بعد إسقاطها طائرة “آر كيو-4” الأميركية. إذن حروب الجيل الرابع قائمة في العالم وفي منطقتنا تحديداً، بأشكالها الناعمة حتى الآن، لكن لا ننسى أنها قابلة للتحول لوجهها الخشن في أية لحظة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية