+A
A-

محمية واسط الطبيعية...رئة خضراء في قلب الشارقة

محمية واسط الطبيعية في مدينة الشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة، هي واحدة من المشاريع الملفتة التي تم اختيارها مؤخراً للترشح لجائزة الآغا خان للعمارة في دورتها لعام 2019، وهي واحدة من أهم جوائز العمارة في العالم حيث يقع مقرها في جنيف وتبلغ قيمتها المالية مليون دولار أمريكي. وتضمنت قائمة المشاريع المرشحة للجائزة عشرون مشروعاً فريدا ومتميزاً من أنحاء مختلفة من العالم، من بينها تسعة مشاريع من سبع دول عربية هي الإمارات العربية المتحدة، لبنان، فلسطين، جيبوتي، عمان، البحرين وقطر. نخصص هذا المقال لتسليط الضوء على مشروع محمية واسط الطبيعية، الذي يعتبر من المشاريع الحضرية الملفتة التي تم اختيارها بناءً على تميزها المعماري ورسالتها البيئبة والحضرية ودورها التعليمي في المنطقة.

تقع محمية واسط الطبيعية في منطقة الرمثاء، بالقرب من ضاحية واسط في إمارة الشارقة، على مقرية من الشريط الساحلي الذي يعتبر ممراً أساسياً للطيور المهاجرة، وتمتد على مساحة كبيرة يبلغ مجموعها 0.86 كيلومتراً مربعاً، وتتضمن خليطاً رائعاً ومتميزاً من الحدائق والمساحات الخضراء والمسطحات الملحية والسهول والكثبان والشواطئ والبحيرات، ما يحولها إلى رئة خضراء محببة لسكان الإمارة ومقصد مميز للنزهات ورحلات الاستجمام للأفراد  والعائلات، وملاذ حقيقي ومثالي للحياة البرية في المنطقة ومكان مفضل أيضا للطيور المقيمة والمهاجرة وأنواع مختلفة من الحيوانات.

تم إعلان الموقع كمحمية طبيعية بموجب المرسـوم الأميري رقم 7 لسنة 2007 الصادر عن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة. ووفقاً للموقع الرسمي لمحمية واسط الطبيعية ، تضم المحمية 198 نوعاً من الطيور المختلفة، إلى جانب عدد كبير من الثدييات الصغيرة والزواحف والحشرات، حيث تم اكتشاف أنواع نادرة من الحشرات تم تسجيل وجودها لأول مرة في الإمارات. وتلعب هذه المحمية دوراً هاماً في الحفاظ على البيئة في المنطقة، حيث يعمل الغطاء النباتي فيها على فلترة وتنقية الهواء من الغازات الضارة والغبار، وزيادة نسبة الأوكسجين في الجو، والحد من الاحتباس الحراري، وخاصة أنها تقع بالقرب من مركز مدينة الشارقة.

وبالإضافة إلى أن المحمية تلعب دوراً هاماً في تطوير السياحة البيئية- نظراً لكونها من المناطق الغنية بالميزات الطبيعية من ناحية الوصف الجيولوجي والطقس، والتربة، والغطاء النباتي، والتنوع الحيواني- فإن مايميز هذا الموقع ويؤهله للدخول في المنافسة للحصول على جائزة الآغا خان للعمارة، هو ذلك التناغم الكبير والتكامل المدهش الذي يمكن تلمسه بوضوح بين العمارة المبينة وهندسة المناظر الطبيعية في الموقع. وهذا مايعبر عنه المهندس المعماري أحمد العلي، وهو مهندس معماري ورائد أعمال إماراتي مشارك بالمشروع، بالقول: "حاولنا قدر الإمكان التأكد من دمج هذا المشروع بالفعل مع العناصر الأخرى ضمن الموقع. فعندما تقف أمام واجهة زجاجية عريضة ومدمجة بشكل كامل ضمن المحمية، تشعر بأنك تقف في وسط الموقع وتندمج بشكل كامل مع هذا العالم الرائع من الطيور المحيطة، وبذلك تصبح جزءاً من عالمهم."

من جهته يتحدث المهندس المعماري فريد اسماعيل، وهو أحد المهندسين المشاركين أيضاً بالمشروع، عن أهمية الحد من العمارة المبنية ضمن المشروع وتحقيق نوع من التوازن بين العمارة المبنية والمناظر الطبيعية والعناصر البيئية والحيوية ضمن المشروع، الأمر الذي ساهم أيضاً في دفع هذا المشروع إلى قائمة المشاريع المرشحة للجائزة، ويؤكد على هذا الأمر بالقول: "تم تصميم المشروع مع الأخذ بعين الاعتبار القوى المختلفة التي تؤثر في الموقع، وأعتقد في هذه الحالة كانت أهم القوى المؤثرة هي: الطبيعة والبيئة والطيور والأراضي الرطبة التي يجب علينا التعامل معها. كان السؤال الأساسي المطروح: ما هي الاستراتيجية التي يمكن أن تكون معقولة للحد من تأثير العمارة المبنية وسط هذه الطبيعة الجميلة". في الواقع، يمكن تلمس الجواب المناسب للسؤال الهام الذي طرحه المعماري الموهوب من خلال الاستراتيجية المتبعة في الموقع، والتي يمكن اكتشاف مفرداتها بوضوح من خلال كافة تصاميم ومفاصل هذا المشروع المتميز.

لايقتصر تميز هذا المشروع على التصميم والدور البيئي الذي يلعبه فحسب، بل يشمل ايضاً الدور الرائد الذي يلعبه كمنشأة تعليمية تقدم الفائدة والمعرفة للأطفال والكبار على حد سواء. إذ يقدم مركز التعلم داخل المحمية عدداً من الألعاب التعريفية بطريقة مشوقة وتفاعلية للأطفال، كجزء من برنامج مثير ومتكامل للتعليم البيئي، مثل تمارين تشجيعية لتمييز أصوات الطيور المختلفة وأنواعها، ونشاطات أخرى تعمل على ترسيخ المعلومات المقدمة  باستخدام الرسوم والصور. ويؤكد المهندس المعماري فريد اسماعيل على هذا الدور بالقول: "يسعدني حقًا أن أرى كيف تحول هذا النوع من المناطق أو المواقع الحضرية غير المرغوب فيها إلى مكان تعليمي، حيث يأتي الناس والأطفال هنا للحصول على الإلهام والتعرف على البيئة الطبيعية."

بالمحصلة، يمكن القول أن محمية واسط الطبيعية تمثل جزءا هاماً من مشهد واسع  كبير تبذله إمارة الشارقة، بفضل جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، للحفاظ على البيئة ودعم المبادرات الثقافية والتعليمية في مدينة أضحت اليوم عاصمة حقيقية للثقافة العربية ومنبراً أساسياً للمبادرات الثقافية والبيئيية والتعليمية في المنطقة. ولعل مايجعل من هذا المشروع عملاً فريدا يستحق الاعجاب والتقدير والترشح دون شك لجائزة الآغا خان للعمارة، أنه استطاع أن يحول بطريقة مذهلة بقعة مهملة من الأرض كانت تمثل نوعاً ما تجمعاً لمياه الصرف الصحي والقمامة، إلى واحة خضراء جميلة يرتادها سكان المدينة والطيور المقيمة والمهاجرة للاستجمام والراحة والتمتع بخضرتها وتنوعها.

إلى جانب محمية واسط الطبيعية في الشارقة تم ترشيح مشروعان آخران من دولة الإمارات العربية المتحدة للمنافسة على الجائزة، وهما ساحة المريجة للفنون في الشارقة وكونكريت السركال أفنيو في دبي. ولاشك أن ترشيح ثلاثة مشاريع من دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن القائمة المختصرة للمنافسة على جائزة الآغا خان للعمارة يعكس أهمية وعلو شأن العمارة الإماراتية على الصعيد العالمي. يقول السيد فرخ درخشاني، مدير جائزة الآغا خان للعمارة، حول المشاريع الإماراتية الثلاثة: "العنصر المشترك في جميع المشاريع الثلاثة المدرجة ضمن القائمة المختصرة من دولة الإمارات العربية المتحدة هو التعليم. إذ أن كل من ساحة المريجة للفنون في الشارقة وكونكريت السركال في دبي مكرسان لتعليم الناس حول الثقافة، بينما يكرس مركز واسط للأراضي الرطبة جهوده للتربية البيئية. بالمحصلة، جميع هذه المشاريع مكرسة لمساعدة الناس على فهم العالم الذي نعيش فيه اليوم ".

الجدير بالذكر أن جائزة الآغا خان للعمارة هي واحدة من أقدم وأهم جوائز العمارة في العالم. تأسست هذه الجائزة في عام 1977 من قبل صاحب السمو الآغا خان، بهدف تحديد وتشجيع الأفكار الرائدة في مجالات العمارة والبناء التي تنجح في التصدي لاحتياجات وطموحات المجتمعات التي يكون للمسلمين وجود معتبر فيها. وتركز الجائزة على نماذج المشاريع التي تعتمد معايير جديدة في التميز المعماري في مجالات التصميم المعاصر، الإسكان الاجتماعي، تحسين وتطوير المجتمع، الحفاظ على المواقع التاريخية، الحفاظ على المساحات وإعادة استخدامها، بالإضافة إلى هندسة المناظر الطبيعية وتحسين البيئة. منذ انطلاقتها منذ 42 سنة مضت تلقى 116 مشروعاً الجائزة كما تم توثيق أكثر من 9000 مشروع بناء.