العدد 3886
الأربعاء 05 يونيو 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
مُثير... استجابته صفر!
الأربعاء 05 يونيو 2019

لكل فعل ردة فعل... هذا مبدأ بديهي نعرفه جيدًا، من دون أن نحتاج إلى قانون (نيوتنيٍّ) فيزيائي لتفسيره! أو نظريات نفسية لنعرف أن لكل مُثير استجابة، ولا إلى مفاهيم خطابية لنعرف أن لكل مُرسِل رسالةً ومُرسَلا إليه! فجميعها تشبه أبسط مبادئ الحساب: واحد زائد واحد يساوي اثنين! كل هذا مفهوم، غير أن ما هو غير معقول أن تكون للفعل استجابة أو ردة فعل تساوي صفرًا!

لسنا ضليعين في الحسابات، بقدر ما يشدّنا بعض البشر، حين يصلون إلى مرحلة الاستجابة الصفر، أي المرحلة التي لا يستجيبون فيها لأمر أو شخص أو حالة – نهائيًا – أي حين يصلون إلى مرحلة الصمت المُطبق، التي لا يُظهرون فيها أي نوع من أنواع الاهتمام؛ لا بالمدح ولا بالذم، مع مظاهر حادة من عدم المبالاة أو البرود أو الجفاف التام!

إن العلاقات الإنسانية بكل أنواعها، وما نسميها بالتواصل الاجتماعي بين البشر، محكومة بهذه “الفورملا” البسيطة: (مثير يساوي استجابة)، فالحياة كما نبسطها: أخذ وردّ، فإذا لم يقابلك الآخر، بالإجابة على سؤال، أو مبادلة حديث، أو ردّ على رسالة؛ ستكون النتيجة انعدام التواصل، إلى الدرجة التي تساوي الصفر، أليس كذلك؟!

هناك من الناس، من يستخدم (الاستجابة... الصفر)؛ واعيا ومُدركا لتبعاتها! يستعملها كسلاح له وجهان؛ أحدهما انتقامي، والآخر احترازي... كيف؟ الإجابة تختصرها هذه الكلمة العامية (التطنيش)! أي التجاهل؛ فنحن نعاقب المسيء به، أو نتجنب البعض به كذلك.. لكننا في الحالتين على استيعاب تام لهما، أي نستخدمهما بمحض إرادة، وهذه ليست مُعضلة، المعضلة هي أن تتحول استجاباتنا إلى صفر دون إرادة، بعد ما نسميه حالات الصدمة!

في الصدمة يغيب الإحساس كليًا، ولا يكاد يستوعب المصدوم الحدث الذي أوصله إلى هذه الحالة، تمامًا كمن صدمته سيارة، إمّا أن يفقد الوعي أو بعضًا منه، لكنه وقتها غائب عن الزمان والمكان؛ وهو هنا صاحب الاستجابة الصفر بامتياز، فماذا عمّن صدمته الحياة بأشخاص أو مواقف مؤذية، تألم لها مراتٍ ومرات، أو تعرض لظلم أو تجنٍّ متكرر، ماذا ستكون خاتمته؟! ألن يفقد التجاوب أو الرد، وبالتالي – ومن دون وعي أو تخطيط مُسبق - تتحول استجابته إلى صفر!

ليس أجمل من أن يتجاوب الناس مع بعضهم بعضًا، ضمن علاقات إنسانية سوية وسليمة؛ وإلا تحولنا إلى مجتمع أخرس، لا يشعر بالآخر، ولا يشاركه فرحه ولا ترحه، وهذا ما يتعارض مع مبدأ الخلق، في عمران الأرض وخلافتها. فإذا كان لكل فعل رد فعل؛ ذلك يعني: لكل إنسان إنسانٌ آخر يتأثر به أو يستجيب!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية