العدد 3809
الأربعاء 20 مارس 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
لمن يحتفلون بالمرأة... أمًّا!
الأربعاء 20 مارس 2019

يُقال إنه في فترة تاريخية سحيقة، كانت المرأة إلهة تُعبد؛ حيث كان الإنسان القديم – حينَها – يرى في المرأة أساس الخلق، وأن إليها يرجع الفضل في الوجود من العدم! ولم يكن الرجل يفطن بدوره الفاعل في عملية الخلق تلك! حتى إذا ما استوعب – لاحقًا – أنه شريك فاعل في الإنجاب، وسبب فيه؛ تمرّد واستعصى عليها؛ وكفّ عن عبادتها، وبحث عن إله بديل؛ يعزو إليه أسرار الكون وتجلياته وأمور خلقه!

وبغض النظر عن فكرة تأليه المرأة، وعدم تقبلنا لها؛ فإن تقدير الإنسان البدائي (الرجل) لها، يشير إلى عقلية ذكورية – ضاربة في القِدَم - تحترم دور المرأة في الحياة؛ وإن كانت مقصورة على الإنجاب! كان الرجل يُجلّ الدور الأمومي، بل يُقدسه؛ حتى جعل من هذه المرأة/ الأنثى إلهة يتقرب إليها، ويخصها بكثير من العناية والرعاية والاهتمام.

ومع تقادم العصور، وجدنا هذا الوهج القداسي يخفت تدريجيًا، وينسحب البساط من تحت أقدام المرأة؛ ليحتله الرجل، ولم تستطع الأديان فيما بعد؛ وأقصد بها الإبراهيمية الثلاثة: الإسلام، واليهودية، والمسيحية أن تقلل سطوة الفكر الذكوري، على الرغم مما احتوت عليه من نصوص تحاول إرجاع البريق لدور المرأة؛ ما جعلها تحتل مرتبة ثانية بعد الرجل، ولعل هذا سر الدعوات المستميتة للمساواة والإنصاف بين الجنسين، حتى يومنا هذا!

فمازال هناك من يقف عقبة أمام أي احتفال بالمرأة، خصوصًا إذا سبقته كلمة (العيد)؛ ليحوّل الموضوع إلى بِدَع وضلالة وكفر، ومرجع ذلك لديهم؛ أن للإسلام أعياده المعروفة، وأن أي اقتران بتسمية (العيد) غير مقبول! عجبي؛ من لا يعرف هذا!؟ لكأن هؤلاء ليسوا من المجتمع العربي، صاحب الضاد، الذي يعرف أن للغة تفسيرات، ودلالات، ومجازات، وتصويرات! أفلا يكون اليوم الذي نعيش فيه آمنين مرتاحين؛ يوم عيد؟ أفلا يكون الاحتفال بالأم أو الأسرة عيدًا!؟ فلماذا تحملون الكلام أكثر من معناه، وكأنكم في مقدمة جيش متأهب للقتال، وبالتحديد حين يكون الأمر متعلقًا بالمرأة!

للأسف نحن في الزمن الذي يُفرغ الكلام من مضمونه، ومعانيه السامية؛ لتصبح المرأة – على يد بعض المغرضين - رمز إغراء وغواية وتغرير! في الزمن الذي لا تحترم فيه المرأة؛ تصبح داعية للفتنة وتخريب المجتمعات! والحق إنها تحتاج – فقط - إلى تعديل الموازين! وهي عملية تبدأ بالأسرة، التي تضعها مع أخيها – تحت السقف الواحد - في الميزان نفسه، بلا خلل، وبلا تحديد أدوار يفرض عليها واجبات ويحرمها من الحقوق!

لمن يحتفل بالمرأة، أمًا هذه الأيام، لا تنسوا تهيئة أبنائكم للمستقبل الذي تقف فيه المرأة والرجل على عتبة واحدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية