العدد 3786
الإثنين 25 فبراير 2019
banner
لو سكت من لا يعلم...(2)
الإثنين 25 فبراير 2019

قبل أن أضع أمامك سيدي القارئ الموقف الإداري، اسمح لي أن أكمل الحكمة التي وضعتها عنوانا لمقالتي هذه. يقول الإمام الشافعي (رحمه الله) ’’لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف‘‘. كلما تراءت أمامي تلك الحكمة البليغة عادت بي الذاكرة إلى الحكاية التالية، وهي وإنْ كانت ترتدي لباس الطرافة إلا أنها ربما ليست من الواقع ببعيد.

يحكى أن أحدهم كان معروفا بانتقاداته ومداخلاته وتساؤلاته، فإذا دخل مجلسا أو منتدى اتجهت إليه الأنظار، وهذا ما كان يبغيه. غالبية الحضور ربما كانوا على علم بسطحية أفكار صاحبنا، وأن ادعاءه بالاطلاع الغزير باطل، فهو يكاد يكون فقيرا في المعرفة وتحت خط التواضع في مؤهلاته العلمية.

في أحد المجالس وبترتيب مسبق تعمد أحد الخبثاء كشف أوراق هذا الشخص أمام الآخرين، فقال وكأنه يخاطب الحضور: أثبتت الدراسات أن إيطاليا من أشهر الدول في زراعة المعكرونة. اتجهت الأنظار إلى صاحبنا الذي اعتدل في جلسته وبصوت ينم عن ثقة العارف المطلع أجاب: قراءاتي تقول غير ذلك، فأجود أنواع المعكرونة تُزرع في تايلند! احتد النقاش وصاحبنا يدافع عن رأيه بقوة حتى تدخل أحدهم ضاحكا ليقول: كانت تلك مزحة، فالمعكرونة لا تزرع! وخرج صاحبنا من المجلس ولم يعد.

هذا النفر من الناس تجده فعلا في المجالس والمنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي، فهناك من منح نفسه إجازة الفتوى في الدين والعلاقات الأسرية، وهناك من يرى نفسه متخصصا وخبيرا في الاقتصاد والسياسة وحتى في علوم الفضاء والطب، وهناك من يعشق الانتقاد ويجد متعة في لفت الأنظار إليه.

أذكر موقفا ذكيا جدا اتخذه أحد الرؤساء التنفيذيين تجاه أحد مديريه، والذي كان كثير الانتقاد لأي عمل أو مشروع يُقدم من قبل زملائه، وكان هذا المدير معروفا بقلة إنتاجيته وضحالة رصيده المعرفي ووجود جفاء بينه وبين القراءة والاطلاع. التصرف الذي قام به الرئيس تجاه هذا المسؤول هو أنه كلما انتقد الأخير عملا طلب منه البديل، وكلما ساهم بمداخلة سأله الرئيس عن كيفية إنجاز ما طرحه وعن مدى استعداده للقيام بتنفيذه. هذا التصرف من الرئيس جعل ذاك المسؤول أكثر ميلا للاستماع والتركيز على الفهم والاستيعاب، وأصبح أكثر اتزانا في مداخلاته. يقول لورن جاري: إنه مهم للغاية إنْ أردت أن تنجح في الحياة العملية أن تكون واقعيا، وأن تبتعد عن المبالغة في أنك تفهم الكثير عن موضوع ما أو تجربة ما‘‘. ما رأيك سيدي القارئ؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية