العدد 3781
الأربعاء 20 فبراير 2019
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
مسكونون بالمرض...!
الأربعاء 20 فبراير 2019

هناك علاقة وطيدة للغاية بين المرض الجسدي العضوي والحالة النفسية؛ فكلما كان المرء مهزوزًا نفسيًا؛ كان الجسد أقرب إلى التلف والعطب وأصبح لقمة سائغة سهلة للوقوع في شتى صنوف الأمراض! لذلك لا نستغرب من أمثلتنا الشعبية المتداولة حول نقصان العمر؛ بسبب الخلافات والتشنجات العصبية التي تحصل في كثير من البيوتات؛ والتي – من دون مبالغة – قد تكون الطريق الأقرب إلى تقصير حياتنا وتقريبنا من خواتيمها!
للغذاء الجيد وممارسة الرياضات البدنية آثار إيجابية على صحة الإنسان، غير أن الغريب جدا، واللافت بشكل مدهش؛ أن أكثر الأشخاص الذين يعانون من متلازمة بعض الحالات النفسية كالاكتئاب أو القلق لا يهتمون – غالبًا – بالعناية بصحتهم البدنية؛ فأكثرهم يدّعون عدم القدرة على تحمل عبء هذه العناية، ويتعذرون بأسباب لا تكاد تنتهي؛ عن أمراض الجسد التي تعوق حركتهم الطبيعية ونشاطهم الرياضي!
كأنهم مسكونون بحالة الإعاقة، لذلك هم أقرب إلى تصديق كل سببٍ خارج أنفسهم، يعدّونه نتيجة لحياتهم المعكوسة؛ كمس الجن، والحسد، والعين! بل تراهم مُولعين بتشخيص كل نوبة ألم تعتري أجسادهم، وتحديد نوعية الأمراض التي يعانون منها (على كيفهم!) والتي دائما ما يصنفونها بالمزمنة، والصعبة، والخطيرة للغاية، لذلك فإن تطمينات الأطباء والأجهزة الطبية لا تلقى صدى طيبًا لديهم، وليس لها أي أثر في التخفيف النفسي عنهم؛ فهم يفسرون أي تطمين؛ بأنه سوء تقدير لحالتهم أو سوء تشخيص، أو عدم تخصص؛ فالطبيب المعالج – في قرارة أنفسهم - لا يفقه في حالاتهم شيئًا!
النصيحة الطبيعية للبعض؛ هي الابتعاد عن مصادر التوتر النفسي؛ أشخاصًا أم أماكن، غير أن هذه متعلقة بالمؤثرات الخارجية التي نرى أن من السهل تفاديها وتجنبها، فماذا عن المؤثرات الداخلية، التي تشتغل داخل هؤلاء الأفراد! ماذا عن يقينهم واعتقادهم الثابت أنهم ليسوا بخير، وأن خطبًا جللًا يعتريهم، وأن أمراضًا لم يكتشفها الأطباء بعدُ في طريقها للفتك بهم، هؤلاء المستسلمون – بشكل أو بآخر للنهايات - كيف ننصحهم!؟
ربما تقولون التقرب إلى الله تعالى، والقرآن، والأماكن الروحانية، والسفر، وهذا جميل، لكن هؤلاء سرعان ما يرجعون إلى سابق عهدهم في التذمر والتشكّي ويحلفون لك بأغلظ الأيمان أنهم مرضى ولا علاج لهم! وكلما أقسمت لهم انهم بخير؛ تجدهم يزدادون يأسًا! لعل الحل أن نجرب مسايرتهم؛ باختصار لنسمعهم ما يريدون سماعه؛ وأنهم ليسوا بالفعل أصحاء، وأن حالتهم مستفحلة، ومزمنة، وأن حياتهم مهددة! عندها قد نمنحهم السكينة المقلوبة؛ التي تمنح أنفسهم الموجوعة شيئا من الراحة! ولا تستغربوا، ففي مجتمعاتنا منهم الكثير!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية