العدد 3780
الثلاثاء 19 فبراير 2019
banner
الذوق أولًا
الثلاثاء 19 فبراير 2019

هناك ما يسمى بـ “الممارسات الخاطئة”، وهي تلك التي نمارسها ونُطبقها في حياتنا اليومية، والتي قد ننظر إليها باعتبارها من حقوقنا، ثم نُحاول بحُسن نية أن نفرضها على الآخرين بحكم ما نراه نحن كأشخاص، وليس بما يراه القانون. وإذا سلمنا بالأمر الثاني فهذه مصيبة كبيرة، إذ إن ذلك لا يعني سوى أننا ارتضينا ثقافة الغاب، وغيبنا دولة المؤسسات والقانون، ولعل ما يدفعني لطرح هذا الموضوع أنني لاحظت كما لاحظ غيري، أن الكثير من أصحاب المنازل أصبحوا اليوم يفرضون طوقاً من الحواجز حول بيوتهم بهدف منع مركبات الجيران من الوقوف بمحاذاة منازلهم أو بالقرب منها!

ورغم تفهمي لذلك، واقتناعي بأن هذا السلوك ربما يعود لمحدودية المواقف، وخصوصا في الأزقة التي غالباً ما تكون مزدحمة بالمناطق السكنية، إلا أن ذلك لا يبرر أبداً مثل هذه السلوكيات، حيث إن تلك المواقف تعتبر ملكية عامة وليست تابعة لأصحاب المنازل، وحسب معلوماتي فإن القيام بحجز تلك المواقف يعتبر أمراً مخالفاً بحكم القانون.

ما يحدث هذه الأيام أمر مثير للاستغراب والاستهجان، فبعض أصحاب المنازل لم يكتفوا بوضع الحواجز أمام منازلهم، بل قاموا بإحاطة المنازل بحواجز من جميع الجوانب!

ربما نتفّق على أنه من الطبيعي، ومن باب الذوق، أن لا يقوم أحدنا بإيقاف سيارته أمام منزل جيرانه مباشرة، خصوصا إذا ما قاموا بعمل مظلات لسياراتهم، ولكن نتفّق في الوقت ذاته بأنه لا ضير في إيقاف مركباتنا بالقرب من منزل الجيران في حال لم يتسبب ذلك في غلق المنافذ الخاصة بالمنزل، وخصوصا أثناء وجود المناسبات الخاصة والتجمعات العائلية.

من المؤسف أن العديد من العائلات تتصل بإدارة المرور لتبلغ عن سيارات جيرانها دون أدنى مراعاة لحقوق الجيرة أو ما قد يسببه ذلك من إحراج لصاحب السيارة الذي قد يكون في زيارة وجيزة فقط لتلك العائلة.

نحن بحاجة إلى ثقافة وذوق وأخلاق وتسامح قبل حاجتنا للجوء للقانون، وإذا وُجد القانون وجب تطبيقه وعلى الجميع، وصدقوني يمكننا بالأسلوب الراقي والأخلاق الحميدة والطيبة التي جُبل عليها أهل البحرين أن نُحقّق الكثير من الود والتآخي بيننا كجيران.

وأورد هنا حكاية حدثت معي شخصياً، فقد قمت ذات مرة بالاتصال بصاحب العمارة الملاصقة لمنزلي لأستأذنه بالوقوف تحت المظلات المخصصة للعمارة نظراً لكونها شاغرة ومواقفها خالية، ووافق مشكوراً على الفور، وأعرب عن تقديره لمبادرتي بالاتصال به والاستئذان منه.

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا... وإذا أصيب القوم في أخلاقهم.. فأقم عليهم مأتماً وعويلاً، صلاح أمرك للأخلاق مرجعة.. فقوم النفس بالأخلاق تستقم”.

شاءت الصدف وأنا في خضم كتابة هذا المقال أن أقرأ خبرا مفاده أن شخصاً أقدم على طعن جاره عدة طعنات بقصد القتل وذلك بسبب خلاف على موقف للسيارات! فهل أدركتم الآن كيف يُمكن أن تتطور الأمور في موضوع لا يستحق كل هذا التصعيد.  القليل من الالتزام وإبداء المرونة والتعاون والاحترام، يمكنه أن يقينا من الكثير من الشرور، فما حدث أمر في غاية البشاعة بل هو عنف غير مبرر يمثل انتهاكاً صارخاً لروابط المحبة السائدة بين شعب هذا الوطن الغالي.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .