+A
A-

مرة أخرى.. الحدادون مهددون بإزالة ورشهم

مرة بعد أخرى يُفاجأ الحدادون في البحرين بنارهم تطفئها ريحُ الإهمال والتخلّي، فما إن يستقر بهم مكان يشعلون فيه نارهم، ويعالجون عليها فولاذهم حتى تهبّ تلك الريح لتطردهم منه، وتقصيهم عنه، ليجدوا أنفسهم في حيرة الانتقال والترحال، والبحث عن (كور) آخر للنار.

هذه المرة جاءهم التهديد بالإخلاء من قبل مالك الأرض التي استأجروها وأقاموا عليها دكاكينهم في النعيم منذ أن أقصوا من البرهامة بعد أحداث2011م، ولا يعرف الحدادون إلى أين يمكن أن يرتحلوا بعد، ولا يجدون لهم من ملجأ سوى رفع الصوت عالياً مطالبين الجميع الالتفات إلى قضيتهم، ومراعاة ما تعنيه مهنة قديمة مثل مهنتهم تكاد تندثر في العالم الرقمي الذي نعيشه اليوم.

أمر بالإزالة

يؤكد ناجي العمران، الحداد، وصاحب إحدى ورش منطقة النعيم أن هذه المهنة القديمة، والتي توارثوها أباً عن جد مهددة اليوم بالزوال، بعد أن استصدر مالك العقار الذي يستأجرون منه ورشهم أمراً بإزالتها، ويضيف العمران أنهم كحدادين ما يزالون يحافظون على هذه المهنة، وسيبقون على ذلك لآخر أيام حياتهم، فقد التحق هو بهذه المهنة في العام 1980م، في ورشة كانت لعمه، ويعمل فيها عدد من أفراد عائلته، وما يزال منذ ذلك الوقت يمارسها، لكنها اليوم مهددة، يقول ويضيف: (نناشد المسؤولين، جلالة الملك، سمو رئيس الوزراء، سمو ولي العهد، الالتفات لقضيتنا، لا نتمنى أن يأتي اليوم الذي يقال فيه إن مهنة الحدادة (كانت) موجودة في البحرين وانتهت، كما حدث لبعض الدول المجاورة التي انقرضت فيها هذه المهنة).
ويضيف بأن الحدادين في البحرين يريدون الحفاظ على هذه المهنة، ويتمنى من الجميع مساعدتهم في ذلك، فهي كما يقول مهنة تخدم المجتمع، وتظهر الوجه الحضاري للبلد، حيث يسعى السائحون لمشاهدة هذا العمل القديم والتراثي، وكذلك طلبة الجامعات الذين ينجزون بحوثاً حول التراث.

انتقالات

قصة الانتقال والترحال بدأت منذ العام 1942 حيث انتقل الحدادون من سكة البانيان في شارع الشيخ عبدالله بالمنامة إلى الحورة، ثم انتقلت في العام ذاته إلى شارع البلدية، ولم تلبث سنوات حتى انتقلت إلى غرب شارع الشيخ عبدالله قريباً من النعيم.
استمر الأمر حتى انتقالهم إلى منطقة البرهامة في العام 1986م، لكنه ليس الانتقال الأخير، فبعد أحداث 2011م عاد الحدادون للترحال، حيث توزّعوا في مناطق مختلفة من بينها النعيم التي ظلوا فيها حتى جاءهم منذ شهر أمرٌ بالإخلاء مرة أخرى، ليعودوا لرحلة البحث عن مأوى يحفظون فيه مهنة آبائهم وأجدادهم، وبعناد من يلين لهم الحديد يصرّ الحدادون على بقاء هذه المهنة في البحرين وعدم اندثارها، يصرّون على أن لا تخلو هذه الأرض من المهنة التي وفرّت في وقت من الأوقات لأغلب عمال وحرفيي البحرين أدوات عملهم.

لا بديل لدينا

يصنع الحدادون أدوات البحارة كالباورة (المرساة)، والأنجر، والمناشل والخضرات والحربات، ويقدمونها بأسعار رخيصة، خلافاً لتلك المستوردة، ويضيف العمران: (كذلك نصنع أدوات الزراعة، مثل المحش والمنجل، والقدوم، والفأس، وأدوات البناء كالملازم والأزاميل والمطارق والمفاتيح، وسواطير وسكاكين القصابين، وكل ذلك نقدمه بأسعار تناسب العاملين في هذه الحرف).

أخيراً يتساءل العمران: (أين يمكننا الذهاب، لا نعرف مهنة أخرى، إنها كل حياتنا، هي المهنة التي تعيل أسرنا وأطفالنا، ما من بديل لدينا، نتمنى من رئيسة هيئة الثقافة والتراث في البحرين الشيخة مي آل خليفة أن تنظر لأمرنا، أن توجد لنا موقعاً بديلاً نمارس فيه عملنا، نحن قرابة عشر ورش، كل القائمين عليها بحرينيون، حتى وإن عاوننا عمال أجانب، لكننا نشتغل بأيدينا).

هل يلتفت أحد إلى أهمية الحفاظ على هذه المهنة، هل يلتفت أحد ليمدّ يد العون من أجل إبقاء الرابط مستمراً بيننا وبين ماضينا الذي نخسره يوماً بعد آخر، سؤال يظلّ معلقاً حتى يجد هؤلاء وغيرهم من العاملين في حرف البحرين القديمة من يقرر أن لا مستقبل لبلد لا يكترث بماضيه، ولا يسعى في الحفاظ عليه.