+A
A-

نيويورك تايمز: محاكمات تركيا الجماعية.. تهم ملفقة وأكاذيب وشهود لم يروا شيئا

تنتهي المحاكم التركية خلال أسابيع قليلة من نظر حوالي 300 قضية جماعية، بهدف وضع كلمة النهاية لأحد أكثر الأحداث الصادمة في تاريخ تركيا الحديث، وهو محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعود لعام 2016، والتي شهدت مقتل 251 شخصاً، معظمهم من المدنيين، وجرح أكثر من 2000، حسبما ذكر تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".

وتم إدانة ما يقرب من 3000 شخص من أفراد الأمن والمدنيين حتى الآن، ورحبت الحكومة وأنصارها بالأحكام المشددة وكأنها انتصار لتحقيق العدالة.

إلا أن هذه المحاكمات أدت أيضاً إلى توسيع الانقسامات السياسية في تركيا وعمقت الشعور بالاضطهاد بين معارضي الحكومة، الذين يقولون إن المحاكمات الجماعية ترمز إلى نظام قضائي بعيد عن العدالة في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان.

"حملات تطهير" أسبوعية

فبعد مرور أكثر من عامين على محاولة الانقلاب الفاشلة، تواصل حكومة أردوغان الضغوط والملاحقات والمحاكمات لمن يشتبه في أنهم متورطون مع من تتهمه بالتدبير للمؤامرة، وهو رجل الدين فتح الله غولن.

واتسع نطاق الحملات لتشمل بشكل تدريجي طبقة كاملة من المعارضين السياسيين، حيث قامت الحكومة بما أسمته بـ"حملات التطهير" التي طالت عشرات الآلاف تم فصلهم من وظائفهم في القضاء والأوساط الأكاديمية، وكذلك الشرطة والجيش.

تتم عمليات الاعتقال بشكل أسبوعي تقريباً. وأصدرت السلطات منذ أيام قليلة مذكرات اعتقال لأكثر من 1100 شخص عبر 75 مقاطعة بشأن الاشتباه في صلتهم بشبكة غولن، حسبما أفادت وكالة أنباء "الأناضول" شبه الرسمية.

واُتهم كثيرون بالحصول على أسئلة اختبار كتابي للترقي كضباط في جهاز الشرطة، وهي المزاعم التي طالما روجت لها الحكومة التركية، مدعية أنها جزء من مخطط لزرع أتباع غولن في الرتب العليا لقوات الأمن.

كما تم توجيه الاتهام إلى غولن، الذي يعيش في الولايات المتحدة، بالتورط في معظم القضايا التي تستهدف كبار قادة مخططي الانقلاب، لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إن الأدلة المقدمة ضده ليست كافية لتسليمه.

إن الأدلة الكثيرة، التي قُدمت في المحاكمات، أزالت أي شكوك حول ما إذا كان بالفعل هناك مؤامرة منظمة لإزاحة أردوغان عن الحكم.

محاكمات معيبة

ويشير نشطاء حقوق الإنسان ونقاد إلى أن المحاكمات، التي تشمل محاكمة 100 إلى 200 شخص في كل مرة، تعد معيبة إلى حد كبير لدرجة أنها لطخت القضايا ضد صانعي الانقلاب المزعومين.

وترتفع حدة التوتر في العديد من المحاكمات إلى درجة عالية، إذ ينفجر مؤيدو الحكومة في غضب، ويلقون الاتهامات عندما يعلن المدعى عليه براءة المتهمين. ويملأ ضباط الشرطة وحراس السجون قاعات المحاكم التي تكون بحجم ملاعب استاد رياضي. ويكون القضاة غالباً مزدحمين، ويتحدثون مع المدعى عليهم بعبارات متكررة ومألوفة، بما يعد مخالفاً لتقاليد المحاكم. ويشكو النقاد من أن القضاة متحيزون.

وفي قاعة محكمة غائرة في سجن شديد الحراسة خارج إسطنبول، في ديسمبر الماضي، قامت عائلات الضحايا بالخبط بأيديهم على المقاعد كاعتراض صامت، عندما أعلن القاضي إدانة 48 من ضباط الجيش بتهمة الخيانة والقتل.

ويقول مصطفى أويغون، مدير سابق لمحطة مترو الانفاق، الذي أصيب في ظهره ليلة محاولة الانقلاب ويستخدم حاليا كرسيا متحركا: "أنا سعيد بالقرار الذي اتخذوه، لقد حصلوا على 20 سنة إضافية لإطلاق النار علي".

متهمون بأعداد لم يسبق لها مثيل

إن للمحاكمات الجماعية تاريخ طويل في تركيا وكثيراً ما استخدمت في أعقاب الانقلابات، ومن بينهم بعض الأشخاص الذين جرت محاكمتهم هذا الأسبوع.

ومع ذلك، فإن الحجم الهائل للعملية القضائية هذه المرة لم يسبق لها مثيل في أي مكان آخر في الغرب في السنوات الأخيرة.

يقول المحللون إن المحاكمات الجماعية تمثل عقاباً جماعياً وصل إلى ما هو أبعد مما قام به قادة الانقلاب، حيث أدت حملة أردوغان إلى اجتياح كل شخص كان في الخدمة بتلك الليلة في القواعد والوحدات العسكرية بجميع أنحاء تركيا.

محاكم الكُنغر

ووصف القاضي أورهان غازي إرتكين، الرئيس المشارك لجمعية القضاء الديمقراطي، المحاكمات الجماعية بأنها كمحاكم "حيوان الكُنغر" حيث لا تحاكم المتهمين على ما قاموا به وإنما على ميولهم وخياراتهم السياسية.

ويقول إرتكين: "إنه تحويل القناعة السياسية إلى قناعة جزائية، لإلحاق الإذلال، جسديا وروحيا، لتدمير الأشخاص الذين منوا بخسارة سياسية"، موضحا أنه "في الوقت نفسه يعد نوعا من الاستعراض".

وأضاف إرتكين: "يتم تحديد نتيجة المحاكمة مسبقا، حيث يتم إبلاغ القاضي بمنطوق الحكم عبر الهاتف المحمول، فيصدر الحكم بالإدانة ليفوز حيث أن إصدارة الحكم بالبراءة يلحق به الضرر".

عشرات الآلاف من المعتقلين

يواجه 5 من القادة المدنيين و38 من كبار ضباط القوات المسلحة، اتهامات بأنهم أعضاء في مجلس القيادة لمؤامرة الانقلاب في محاكمتين هامتين تقترب من صدور الأحكام فيها.

لكن إلى جانب أولئك، الذين اعتبروا قادة العصابة، قامت الحكومة التركية أيضاً باعتقال عشرات الآلاف من الجنود وكبار القادة وأعضاء القوات الخاصة، وصولاً إلى الطلاب والضباط في القواعد العسكرية والوحدات التي دخلت في اشتباكات بكافة أنحاء تركيا في ليلة محاولة الانقلاب.

اتهامات ملفقة وأكاذيب واضحة

حاول محامو الدفاع الضغط من أجل إطلاق سراح الجنود الأقل رتباً، لأنهم في العديد من الحالات صدرت لهم الأوامر بالخروج إلى الشوارع بدون أسلحة أو تم إبلاغهم أنهم يحمون الدولة من هجوم إرهابي.

وقال أحد المتهمين في الدفاع عن نفسه متوسلاً للقاضي أن يصدر له حكم بالبراءة، موضحاً أنه أقل من أن يؤذي الدولة، مؤكداً أن الشهادة التي أدلى بها شاهد الإثبات هي "جملة من الأكاذيب"، لأن الشاهد لم يكن موجوداً بالأساس في العاصمة أنقرة، في تلك الليلة حسبما يزعم.

ويشكو متهم آخر، هو الرائد نجدت أروغلو، السكرتير العسكري للجنرال صالح زكي كولاك، قائد القوات البرية، الذي كان بين 18 جنرالا تم احتجازهم كرهائن بواسطة قادة الانقلاب، يشكو من أن القضاة المدنيين لم يمكنهم فهم كيف جرت العملية العسكرية في تلك الليلة.

ويقول إنه قضى عدة ساعات يشرح للمحكمة أنه كان مرتدياً الزي العسكري في ليلة محاولة الانقلاب، ولم يكن يرتدي لباساً مدنياً كما زعم ممثل الادعاء العام، وكان يحاول الانضمام إلى قائده في القاعدة عندما تم اعتقاله من قبل صناع الانقلاب.

ويختتم حديثة قائلاً بمرارة: "إذا كان هناك أي شخص يجب أن يشعر بالخجل، فهو قائدي، لأنه لم يقف إلى جانبي".