العدد 3756
السبت 26 يناير 2019
banner
في هوامش الاستراتيجيا
السبت 26 يناير 2019

لم يجد السفير الإيراني في بيروت حَرَجاً في إيراد موقف بلاده الداعي الولايات المتحدة إلى أن “تلملم نفسها وتخرج بشكل نهائي من كل هذه المنطقة”، في الوقت نفسه الذي يرمي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قفازات التحدّي في وجه طهران مباشرة ويدعوها إلى “الانسحاب بسرعة” من سوريا.. وإلا!

الفارق بين الدعوتين هو ذاته الفارق بين الأرض والسماء والحكي والفعل... نتنياهو يطلق دعوته على وقع سريان مفاعيل تنفيذها عملياً والتهديد بتصعيد ذلك التنفيذ. ومتابعة العمل لتحقيق هدف منع ترسيخ أو تثبيت أو “لبننة” الوجود والنفوذ الإيرانيَّين في سوريا، في حين “يردّ” الإيرانيون بكلام هوائي كبير بعيد عن الموضوع! وبمتابعة التصرف في الساحة السورية وفق جدول الأعمال القائل إن “الأعداء” هم السوريون وليسوا الإسرائيليين، وإن المهم والأهم هو تأكيد “الانتصار” عليهم أولاً وأخيراً!

والواضح أن نتنياهو يُحرج الجماعة الإيرانية ميدانياً وسياسياً! ولا يريد استيعاب “الرسالة” ولا حتى أخذ العلم بها! ولا استلامها، ولا التسليم بها! وهي القائلة في سوريا وفي غيرها وعلى امتداد ساحات النزاع الفتنوي الإسلامي الذي أطلقته إيران، إن “العدو” الذي تهون في سبيل دحره كل الأثمان بشرياً ومادياً هو الآخر العربي والمسلم الأكثري.. أو بالأحرى هو الأَولى في أجندة “الجهاد” والسعي التثويري والتنويري وليس غيره، أكان هذا إسرائيلياً أو أميركياً أو أوروبياً أو روسياً أو صينياً.. إلخ!

وإن ذلك يُفترض أن يكون قد صار معلوماً ومفهوماً في دوائر “التفكير الاستراتيجي” الغربي والدولي في الإجمال، وفي المحور الأليف الأميركي – الإسرائيلي تحديداً! خصوصاً، (وخصوصاً جداً) أن الجانب الممانع قدّم ويحاول جاهداً تقديم كل ما يلزم من “أدلة” و”شواهد” لتأكيد ذلك عملياً وفعلياً، حتى وإن اقتضت عدّة التبليغ والإرشاد والتعبئة اعتماد التوريَة المألوفة الخاصة بفلسطين وقضيّتها ومركزيّتها وأولويّتها!.

وحتى لو اقتضى ذلك استنساخ الأداء الأسدي الاستراتيجي الذي “دعم” المقاومة خارج أرضه! وجعل منها ستاراً ناجحاً لتغطية “وظيفته” الفعلية بحماية “حدود” إسرائيل الواصلة إلى الجولان! ومنع أي تهديد أو مشروع تهديد عميق أو مؤثر لها.

“تقاتل” إيران بعيداً عن أرضها، ولا تتردّد في الانصياع لموجبات طمأنة إسرائيل إلى بقاء “أرضها” بعيدة عن الاستهداف.. حتى لو اقتضى ذلك التطنيش عن عشرات الغارات الجوية على مواقعها ومخازنها وقوافلها السلاحية في سوريا، و”القبول” من دون إعلان، بطلب عدم الاقتراب من حدود الجولان! ثم بالمعنى التعبوي، التراجع عن شعارات “الإمحاء” و”الغدّة السرطانية” وما شابه ذلك من مفردات وتهديدات وعنتريات بقيت مشلوحة في الهواء من دون أن تحطّ ولا مرّة على أي أرض ولا على أي واقع ولا في أية “معركة”.”المستقبل”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .