العدد 3725
الأربعاء 26 ديسمبر 2018
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
العقل والقلب... يقودان النسيان!
الأربعاء 26 ديسمبر 2018

هناك علاقة عجيبة ومُدهشة بين العقل والقلب، خارج نطاق العلاقة الحيوية أو العضوية في جسم الإنسان؛ هذه العلاقة قائمة على المراعاة، والاهتمام وقدر كبير من الإحساس الشفاف والمرهف بينهما؛ فنحن نشير – غالبًا – إلى القلب كمركز للمشاعر والعواطف، بينما نعدّ العقل مصدرًا للتفكير، وإصدار الأوامر المستندة إلى المنطق، والحسابات وكل ما نصفه بالعقلانية، التي هي في الأساس وظيفة الدماغ؛ فالعقل كما أشرنا في أكثر من مقالة الجزء المعنوي للدماغ، وتعادله لدى القلب العاطفة. في الوضع الصحي الطبيعي؛ هناك علاقة انسجام (هارمونية) متسقة ومتوافقة بين هذين الاثنين؛ فإذا طغى العقل الخالص؛ حلّ الجمود، وربما اتجه الإنسان إلى القسوة، والتعصب، والتشدد! فبعض العقلانية مقبول منطقيًا، لكنه مُستَهجن اجتماعيًا؛ بسبب ما فيه من شدة! كما أن بعض العاطفة؛ ميل أو زيغ أو هوى أو ليونة زائدة لا تستقيم معها بعض مناحي الحياة! هكذا تعلمنا – منذ الصغر – أهمية التوازن بينهما، لكننا لم نتعلم الغاية منه؛ أي التناغم! في حالة التناغم؛ تتعدد الأمثلة؛ لذا سنقف على عُجالة سريعة عند موضوع مَسيس الصلة بها؛ هو النسيان؛ فلو تخيلنا أن عقل الإنسان إناءٌ أو آنية، وأنا أشبهه دائما بـ “الطاسة”؛ فإن كل ما يمر به من خبرات، وأفكار، ومفاهيم، وتصورات؛ سيدخل – بشكل تلقائي أوتوماتيكي – ليملأ هذه الطاسة، وكل المشاعر المتعلقة بها جميعها، ستدخل إلى القلب؛ مركز الإحساس كما سَمّيناه، وكأن هناك حركة تصفية، وتحديد أدوار أو مسؤوليات، وكل واحد منهما يأخذ دوره، في حالة النسيان؛ قد نمر بأفكار وتجارب لها مشاعر سيئة، لا نرغب – في الحالة الواعية – تذكرها أو استرجاعها! ماذا سيحصل هنا؟

سنتخيل أن اجتماعًا طارئًا سيحصل؛ سيلتقي فيه العقل والقلب؛ ليحددا خطورة الموضوع، وكيفيه حلّه أو علاجه؛ سيعطي العقلُ القلبَ أو العكس مؤشراتٍ بالتخفيف من حدّة الأفكار المزعجة، وكيفية التغاضي، والتلهّي عنها، وإحلال أفكار إيجابية محلها، وسيعملان معا على الخروج من المواقف التي تعزز ذاكرة الأفكار السلبية، قد ينجحان تمامًا؛ فيكون الواحد منّا مُوفقًا بالنسيان، وقد يصلان إلى حل شبه نهائي أو ربما مؤقت هو التناسي؛ والذي لا يعني اختفاء الأفكار من الطاسة، وإنما؛ غياب الإحساس بالأثر، أو الألم.

ليست هذه الفكرة؛ من نسج الخيال العلمي؛ بقدر ما هي مؤشر بسيط قد يغيب عنّا، من فرْط حضوره؛ أي أننا بالكاد نلتفت إليه؛ وننسى أنه مُعجِز؛ فكل جزء فينا منسجم مع الآخر، إنْ لم يكن عضويًا؛ فنفسيًا، وما النسيان سوى لفتة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية