العدد 3723
الإثنين 24 ديسمبر 2018
banner
رحم الله عبدًا عرف...
الإثنين 24 ديسمبر 2018

يعرّف د. محمد بن عبدالله البكر اعتبار الذات بأنه ’المدى الذي يثمّن ويقيّم ويقبل به الفرد نفسه‘‘. صاحبنا في الموقف الذي سأرويه لك سيدي القارئ وضع لنفسه مدى لا سقف له كما كان يبدو، فقد كان يرى نفسه وبمقياسه الخاص أنه هو الأجدر والأكفأ بينما الواقع شيء مختلف تمامًا، وهذا التباين خلق لديه ضغطًا نفسيًا كان يمكن تفاديه لو تصالح مع نفسه واعترف بقدراته الفعلية.

سوف أعطيه اسمًا ربما يكون بعيدا بعض الشيء عن ذاك الحقيقي، سأسميه يوسف. المشكلة مع يوسف هو أن تقييمه المرتفع وغير الواقعي لذاته، أو لنكن أكثر تحديدًا، لقدراته في مجال عمله، قد ساهم بشكل مؤثر في خلق بيئة عمل مشحونة بالنزاعات والمشاكل ليس فقط في محيط عمله، بل ربما تجاوز ذلك. نزاع بينه وبين زملائه ونزاع بينه وبين رؤسائه وحتى نزاع بينه وبين نفسه وقد تطورت درجة هذه النزاعات لتصل إلى مشاكل.

يوسف دائم التحدث عن خبراته التي كما يقول عنها إنها تجاوزت الـ 20 عاما في مجال عمله، والحقيقة هي أن خبرته ربما لا تزيد عن السنتين والباقي هو نسخ مكررة أو كما تسمى بالخبرة الكربونية، فهي خبره مكررة لسنوات عدة من دون أي تجديد أو حتى دون أي جهد للتوسع أو التطوير أو الإضافة للمؤهلات.

هو يقول عن رؤسائه إنهم أشخاص تنقصهم الخبرة أو طلاب يجب أن يتعلموا منه، والعكس هو الصحيح كما يؤكده العاملون معه.

هذا الشعور الذي قد يصنفه البعض بالتعالي أو ربما بعشق الذات قد أفقد يوسف، أو هكذا يرى زملاؤه، المقدرة على الاستماع الجيد والتركيز على العمل والتطوير للقدرات المهنية وأتباع الأنظمة.

يقول الاختصاصيون إنه طالما كان الإنسان لا يعرف ما الذي لا يعرفه أو يرفض أن يعرف أو يعترف بما لا يعرفه فإنه لا ينمو أبدًا، وهذا ربما ليس ببعيد عن الحالة التي يعيشها صاحبنا، فهو في حاجة إلى أن يواجه نفسه في المرآة ويعترف أمامها بقدراته المهنية الحقيقية.

يقول د. غازي القصيبي (رحمه الله) ’’لا يجوز لك مهما كانت عواطفك الإنسانية نحو زميل من الزملاء إبقاءه في موقعه إذا كان بقاؤه يعرض إنتاجية الآخرين للخطر‘‘، وهذا ما فعلته الإدارة مع يوسف بعد أن أصبح التذمر عمله الأساسي، إذ تم نقله إلى أحد المخازن التابعة للمؤسسة بعد أن سلمته إنذارًا باتخاذ إجراءات أشد إذا لم يعد إلى رشده ويتأقلم مع واقعه ويخرج من قمقم أوهامه بأنه الأجدر والأكفأ والأكثر خبرة والأغزر علمًا وهو في الواقع ليس كذلك البتة.

سنحت لي الفرصة أن التقي يوسف خارج العمل وأتحدث معه عن وضعه وضرورة الحفاظ على وظيفته وتخليه عن أوهامه، فما كان منه إلا أنه وقف وبدأ في ترديد نشيده التقليدي: أنا أمتلك خبرة 20 عاما وأنا... وأنا...

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية