العدد 3707
السبت 08 ديسمبر 2018
banner
لا أحد ينام في المنامة
السبت 08 ديسمبر 2018

إنّ الحلم الذي بقي ردحاً من الزمن لا يبارح ذاكرة الكثيرين من أبناء المنامة قُدر له أن يرى النور بإطلاق مشروع إصدار كتاب يوثق تاريخ مدينة المنامة، والمثير للدهشة أنّ هناك كتابات وثقت تاريخ العديد من المدن والقرى إلاّ أنّ المنامة بقيت خارج التوثيق رغم ما تتمتع به من أصالة وعطاء وما أسهمت به من أدوار ثقافية وتنويرية عبر التاريخ، والمفارقة أنّ المواد التاريخية من صور ومعلومات باتت متاحة لدى أي باحث وهي غاية في الثراء ومتوفرة لدى العديد من المهتمين بالتاريخ.

الأيام الماضية حملت مفاجأة سارة لكل مثقف بحريني بإصدار الدكتور نادر كاظم كتاباً يتناول سيرة المنامة تحت عنوان “لا أحد ينام في المنامة”، متقصيّا بجهد استثنائي ومنقبّا في كل شاردة وواردة لينسج حكاية الإنسان منذ أن لامست أقدامه ترابها، “المنامة مدينة كوزموبوليتانية”، هكذا وصفها الباحث لأنّ على حدودها الضيقة جدا تعايشت العديد من الإثنيات والديانات والمذاهب من العرب والمسلمين والهولة والنجادة والإحسائيين والعمانيين والهندوس والبوذيين والسنديين والبهرة واليهود والمسيحيين والبلوش والبهائيين وأقلية من الصابئة.

كانت المنامة في قلب الأحداث التي مرت بالأمة العربية، بيد أنّ حرب السويس والخامس من حزيران مثلت انتكاسة لروح المنامة القومية، ومن المؤكد أنّ الأجيال التي عاشت في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين وما بعدهما تتساءل عن نمط الحياة السائد الذي عاصره آباؤهم وأجدادهم في تلك العقود. الباحث يسلط الضوء بأسلوبه الشيق على أنّ موجات التحرر العالمية التي اجتاحت العالم وصلت في تلك المرحلة إلى المنامة وانتشرت بين الشباب الكثير من مظاهر التمرد والتحرر من الميني جوب والمايكروجوب والشوارب الكثيفة والشعور الطويلة تقليدا لفرقة البيتلز والملابس الضيقة والسلاسل الذهبية حول الرقبة والتسكع في الطرقات وموسيقى البوب، غير أنّ عامل التغيير الأكبر بالنسبة للمنامة تمثل في النقلة النفطية، إذ لا يمكن للباحث في تاريخ المدينة أن يغفل الأثر الذي تركته تيارات الإسلام السياسيّ بعد انحسار المد القومي والتيارات اليسارية.

يبقى التساؤل أخيرا ما الدروس التي تعلمنا إياها مدينة عالمية كالمنامة؟ الدرس الأول والأهم هو درس الجماعتين اللتين شاءت أقدارهما أن تعيشا معاً في بلد صغير المساحة ولا مجال لهما إلا التعايش والتسامح.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية