العدد 3687
الأحد 18 نوفمبر 2018
banner
جهود متواصلة لدعم قيم السلم والتعايش
الأحد 18 نوفمبر 2018

قبل بضعة أيام، استقبل صاحب الجلالة الملك المفدى، الرئيس الديني لطائفة البهرة، السلطان مفضل سيف الدين، وهي خطوة متميزة ولفتة كريمة تزخر بالمعاني والدلالات المعبرة، وتأتي ضمن حلقات التواصل وضمن مبادرات وجهود جلالته المتواصلة وفي إطار إدارته وقيادته للفعاليات والمبادرات المماثلة المبذولة من قبل صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر، وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين، إلى جانب غيرهما من المسؤولين والمؤسسات المعنية، ومنها “مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي”.

وبعد أيام معدودات من استقبال جلالة الملك حفظه الله لسلطان البهرة، استقبل صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر وفدًا يتقدمه رئيس إحدى الطوائف الهندوسية، وأكد سموه للوفد الزائر أن البحرين شكلت على مر التاريخ محطة مضيئة على طريق تواصل الحضارات والثقافات والأديان، لإيمانها الراسخ بأهمية ذلك في الوصول إلى السلام العالمي.

إن مثل هذه اللقاءات والاتصالات تصب في وعاء وهدف تأكيد وتعزيز المواقف المبدئية لمملكة البحرين الداعية والداعمة لقيم التسامح والتعايش والانفتاح والتواصل بين جميع الشعوب والأمم بمختلف انتماءاتها الدينية والمذهبية والوطنية والثقافية ضمن مبدأ قبول الآخر، إلى جانب أنها ترسخ مكانة ودور البحرين ومواقفها المساندة لمبادئ حرية العبادة والمعتقد والمناهِضة لكل أشكال وأوجه التشدد والتطرف والغلو، والملتزمة بقيم  الوسطية والاعتدال.

وقد تزامن حدث الاستقبالين مع جملة من المبادرات والفعاليات المتنوعة الداعمة والمكملة لجهود قيادة الدولة ومسؤوليها ومؤسساتها المعنية، الأهلية منها والرسمية، ومساهماتها جميعًا الرامية إلى إعلاء القيم المذكورة وتأكيد رؤية مملكة البحرين ودورها المتنامي، على المستوى الدولي، في بلورة موقف حضاري إنساني موحد في وجه التعصب والتشدد والغلو، وكان من أبرز تلك الفعاليات في الفترة نفسها تدشين “كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” في جامعة سابينزا بروما. وقد وجه جلالة الملك حفظه الله، كلمة قيمة بهذه المناسبة جاء فيها: “إن مملكة البحرين تأمل من خلال إطلاق الكرسي الأكاديمي في الوصول إلى قلوب وعقول  الشباب في جميع بقاع العالم، عبر توفير المعرفة والإلهام اللازمين لتعزيز التعايش السلمي والمحبة”، كما أكد جلالة الملك في كلمته مبدأ “الجهل هو عدو السلام” الذي جاء في صلب “إعلان مملكة البحرين” الذي أطلق أخيرًا في مدينة لوس أنجلوس الأميركية، والذي يُعتبر مرجعًا عالميًا يهدف إلى تعزيز قيم السلام والتسامح وتأكيد حرية الفكر والمعتقد في إطار العيش المشترك.

ولنقف وقفة جانبية قصيرة لنتعرف على السلطان وطائفته؛ فمفضل سيف الدين هو زعيم ديني يحمل لقب سلطان البهرة، والداعي المطلق الثالث والخمسون من سلسلة الدعاة المطلقين الفاطميين، وهو خريج بدرجة دكتوراه من جامعة الأزهر.

وطائفة البهرة الإسماعيلية هي من بين الطوائف الإسلامية الكريمة التي تشترك مع باقي المسلمين في توحيد الله عز وجل والتوجه إلى القبلة المقدسة ذاتها والإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأداء الصلوات الخمس يوميًا وصيام شهر رمضان وأداء الزكاة والحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وهي من الطوائف التي تنبذ العنف، ولها فهم مختلف لفريضة الجهاد، ولا تؤمن بالتوسع ولا تسعى جاهدة إلى ما يسمى بالتبشير أو دعوة أتباع الديانات والمذاهب الأخرى للانضواء تحت عباءتها، ولا تؤمن بتسييس الدين أو استخدامه لتحقيق مكاسب سياسية، ولا تشجع أتباعها على تأسيس الأحزاب السياسية أو التحرك تحت راياتها، بل إن تركيزهم ينحصر في المساهمة في تحقيق الرخاء الاقتصادي لأنفسهم وللمجتمعات التي يعيشون فيها، قناعة منهم بأن ذلك سيوفر لهم الإمكانيات والموارد المادية اللازمة التي ستمكنهم من التسلح بالعلوم والخبرات والمعارف، التي بدورها سترفع من شأنهم وقدرهم ومكانتهم، وهذا ما سيؤهلهم لتوسيع دائرة تأثيرهم ونفوذهم ويمكنهم من خدمة ورعاية أهداف المسلمين ومصالحهم بشكل أيسر وأفضل.

وكإحدى الأدوات العملية لتحقيق ذلك، تبنى السلطان الحالي ودَعَم “المشروع البرهاني للقرض الحسن”، الذي كان قد أرساه والده السلطان برهان الدين، وهو نظام اقتصادي إسلامي تكافلي مبني على تأكيد تحريم الربا وتشجيع أتباع الطائفة على تجنبه واعتباره كارثة يجب الانسلاخ الكلي منها، والنظر إلى المشروع البرهاني المذكور كبديل لتلبية حاجتهم للتمويل والاقتراض، من دون احتساب فوائد، وذلك لضمان استمرار النمو والتطور والتقدم لأتباع الطائفة وتمكينهم من مواكبة متطلبات النظام المالي والاقتصادي الحديث، وقد أدى ذلك المشروع إلى انعتاق أبناء الطائفة، بما في ذلك رجال الأعمال منهم، من أعباء وأغلال الفوائد والعمولات البنكية والمعاملات الربوية، مما أدى بدوره إلى تطورهم وتقدمهم الملحوظ في مختلف مجالات التجارة والصناعة والاقتصاد، إلى جانب الانخفاض الواضح في معدلات البطالة ومستوى الفقر لديهم، فلا يوجد من أبناء طائفة البهرة اليوم من يمد يده يطلب صدقة الناس ويستجديهم.

إنني لا أنتمي إلى طائفة البهرة، إلا أنني أرى أن فلسفة وتجربة هذه الطائفة الكريمة المسلمة تدعونا جميعًا، كمسلمين، لدراستها والاستفادة منها، ولكن قبل وفوق ذلك، فإنَّ هذه التجربة والفلسفة تدعواننا  أيضًا إلى التأمل والاستجابة لنداء ولمساعي قيادة البحرين الحكيمة ودعوتها إلى ضرورة  تحقيق التواصل والتعايش والاحترام بين المذاهب والطوائف الإسلامية كافة، بغض النظر عن مواطن ومواقع الاختلاف فيما بيننا، والتركيز على ما يجمعنا والالتفاف أو الالتفات عما يفرقنا، وتوجيه الجهود والطاقات إلى قضايا وتحديات مصيرية، مثل الفقر والبطالة والجهل والجوع، والتوجه إلى اكتساب العلوم والمعارف؛ لأنها تشكل الأسس الصلبة الراسخة لتحقيق الاستقرار والتعايش والرخاء، والتسلح بالإيمان والأمل والنظر بإيجابية وتفاؤل فيما بيننا؛ وذلك بهدف تعزيز قوتنا ومساهماتنا في ركب الحضارة الإنسانية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .