العدد 3680
الأحد 11 نوفمبر 2018
banner
ثقافة “شيخ البنائين”
الأحد 11 نوفمبر 2018

من أهم أسباب تخلف العالم العربي وجود صراع مستمر بين الأجيال، فالكبار لا يؤمنون بالصغار ولا يعطونهم الفرصة ليثبتوا وجودهم؛ فالمسؤولون ما إن يجلسوا على كراسيهم لا يسمحون لأحد غيرهم بأن يحلم بهذه الكراسي، وإن ضُبط أي شاب متلبسا بحلم من هذا النوع سيتم التنكيل به ووصمه بالفشل وعدم احترام الكبار.

الغالبية العظمى من المديرين ورؤساء العمل لا يهمهم إلا البقاء على كراسيهم، فيهاجمون أية فكرة إبداعية؛ خوفا من أن تقود هذه الفكرة صاحبها إلى هذا الكرسي، وبالتالي تصبح المهمة الأولى للمدير وأد الأفكار وأصحابها من خلال التحقير من شأنهم.

ما يؤكد هذا الكلام أن المئات من خريجي الجامعات العربية من خيرة العقول العربية يهاجرون إلى أميركا وأوروبا  كل عام؛ لكي يجدوا الفرصة التي تسمح لهم بالتفوق بعيدا عن ثقافة شيخ البنائين، والجميع يعلم أن الدكتور أحمد زويل، من أعماق الريف المصري، ومثله مجدي يعقوب الحاصل على لقب “سير” من ملكة بريطانيا، وغيرهم كثيرون، ماذا كان يمكن أن يحدث لو بقي هؤلاء وغيرهم في بلادنا العربية؟ هل كان المديرون سيسمحون لهم بالتقدم قيد أنملة؟ أم أن ثقافة شيخ البنائين كانت ستودي بهم كما أودت بآلاف قبلهم وبعدهم؟

“شيخ البنائين” رواية معروفة، بطلها لا يؤمن إلا بإمكاناته وهو لا يسمح لأي بنَّاء من الجيل الذي ولد بعده أن ينال شرف وضع اللبنة التي توضع في قمة الكنيسة، كبر شيخ البنائين وشاخ، وشاخت كل إمكاناته، وهو يصر على مكانته، وكانت النهاية عندما صعد شيخ البنائين إلى قمة الكنيسة، نسي أنها مهمة تحتاج أعصاب الشباب وتوازن الشباب، فسقط على الأرض وانكسرت رقبته.

نحن بطبيعة الحال لا نتمنى للمديرين ورؤساء العمل أن ينالوا مصير شيخ البنائين، لكننا نريد المدير الذي يصنع صفا ثانيا وثالثا ويفرح عندما يجد أمامه من يصلح أن يكون امتدادا له أو من هو أكثر منه إبداعا أو إنتاجا، فكل هذا يصب في مصلحة البلاد ويؤدي إلى تقدمها، وهذا هو الشيء الباقي، أما المنصب والدرجات الوظيفية، فلا دوام لها، نريد المدير الذي يترك الوظيفة وسط حزن المحيطين به، فيظل في قلوبهم ويظل المعلم والقدوة لمن يأتي بعده، ولا نريد مديرين نسخا من شيخ البنائين.

زبدة القول

ابتعد عن أولئك الذين يسفهون آمالك، فصغار الناس من يفعل ذلك، والعظماء من الناس هم الذين يشعرونك أنك أيضا قادر أن تكون عظيما. (مارك توين).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .