+A
A-

تشخيص لمجموعة من الظواهر المصاحبة لرياح الحداثة في المنطقة

توقف الكاتب عبيدلي العبيدلي في عدة محطات أثناء قراءته لكتاب أستاذ علم الاجتماع الباحث باقر سلمان النجار :"الحداثة الممتنعة في الخليج العربي.. تحولات المجتمع والدولة"، أولها المزاوجة الناجحة التي صهرت في بوتقة واحدة الخطاب السياسي الناضج مع الخلفية العلمية الرصينة، والاختيار الموفق للقضايا التي تثير الجدل وإجابات جريئة على تساؤلات تبحث عن ردود، مع استخدام جيد للغة الأرقام لمخاطبة القاريء العادي والمهني فيما وصفه (بوصلة) تهدي من يبحر في محيط مكونات المجتمع الخليجي المعاصر.

وتحدث العبيدلي في منتدى البحرين للكتاب الذي أدارت حواره الكاتبة انتصار البناء بمركز عيسى الثقافي مستندًا على مجموعة من المحاور منها الهياكل البنيوية لمكونات المجتمع الخليجي وهي تواجه عواصف ثورة الاتصالات والمعلومات، ومستقبل الاقتصاد الخليجي في سياق التحولات الاقتصادية التي تفرضها قوانين العولمة، والمربع الذي سيختاره الشباب على (رقعة الشطرنج) التي سترسمها التحولات الاجتماعية القادمة، لكنه اعتبر الكتاب كنسخة معاصرة تحول محتوياته إلى ما يعرف بـ (انفوجرافيك) في عالم النشر اليوم.

في قراءته، تنقل العبيدلي في عدة أبواب، بدأها بالباب الأول وهو بعض معضلات تحولات الدولة والمجتمع، والثاني (ولكم في العمالة الأجنبية حياة)، والثالث (المرأة والمجتمع)، والرابع (التعليم ومعضلات التنمية)، فيما الباب الخامس جاء تحت عنوان (الخليج وإرباك العولمة: تحولات الناس والمكان)، والباب السادس (الهوية والجماعة)، والذي اعتبره من أكثر الأبواب أهميةً في الكتاب، ومع أن القراءة تمت بحضور لفيف من المهتمين وغياب المؤلف لدواعي السفر، إلا أن العبيدلي نظر إلى باب الهوية والجماعة لما  فيه من استخلاصات تستحق التعمن، من بينها – على سبيل المثال لا الحصر – خلاصة المؤلف التي طرحها بجرأة، وهي أن الليبرالية السياسية كما الاجتماعية والاقتصادية، لا يمكن لها أن تتجذر في المجتمع كحركة اجتماعية مؤثرة، ما لم تشكل الجماعات الأقل حظًا في المجتمع من المنظور السياسي والاقتصادي، ولربما الاجتماعي معينًا أساسيًا لها، وما لم تشكل الديمقراطية نسقًا ثقافيًا أصيلًا في المجتمع، تتمفصل حوله كل الممارسات الاجتماعية والسياسية والقناعات والاتجاهات الفكرية والثقافية، وما لم تمثل الطبقة الوسطى باتساعها المعين الرافد الأساسي لهذه الحركة، حينئذ فقط لا يستطيع النسق السياسي أو الجماعات السياسية المؤدلجة أن تأتي أو أن تتبنى مواقف وإجراءات منافية للحريات المدنية مهما جاءت من الأسباب والحجج.

وتطرق العبيدلي إلى استنتاج المؤلف تأسيسًا على هذا النسق أن دولة ولاية الفقيه في إيران إن هي إلا مصادفة تاريخية غير قابلة للتكرار أو التحقق في مواقع الأكثرية الشيعية في المشرق العربي، وإن تبناها بعضهم، وذلك لاختلاف السياقات الثقافية والسياسية التي يخضعون لها لاختلاف مواقف المراجع الفقهية العربية ذاتها من الفكرة في الداخل الشيعي.

وذهب العبيدلي في مواضع من قراءته التي تم توزيعها ضمن كتيب في المنتدى إلى أن المؤلف النجار شخص مجموعة من الظواهر المصاحبة لهبوب رياح الحداثة على منطقة الخليج العربي توجز في نقاط منها أن هناك ممانعة موضوعية تواجه التحولات الحداثية في الخليج، وأن الحداثة الخليجية التي تحدث عنها الكثيرون شكلية وتمس المظاهر الخارجية المادية، أو بالأحرى البنى التحتية لكنها لم تتجاوزها كي تقحم نفسها في صلب البنى الفوقية كي تتحول إلى سلوكيات قيمية، كما أن عملية التحديث ستصاحبها مسحة مشوهة، وإن لم تكن كذلك، فتصاحبها صراعات بين قوى الداخل على أهدافها أو مع قوى الخارج في مساراتها وقدرتها على أن تشكل نموذجًا قادرًا على التوالد والحياة، وكأنما الكاتب يقود إلى حائط تصطدم بها الحداثة الخليجية الباحثة عن مستقبل مضيء فتجدها غير قادرة على تجاوز حواجز واقعها التي تأسرها وتحول دون تخلقها في رحم مبدع يقودها نحو ما وصلت إليه أمم أخرى عرفت نفس التجربة.