العدد 3663
الخميس 25 أكتوبر 2018
banner
قمامة من بشر
الخميس 25 أكتوبر 2018

لا أعرف منذ متى وهذا الفيديو منتشر، وهو الذي يصف المفارقة ما بين اختراع يتعرف على أنواع القمامة ويفرزها آلياً، ويتعامل بالشكل المناسب مع الأوراق، والأوعية البلاستيكية، والعلب المعدنية، وغيرها من القمامة المنزلية، والفيديو المصاحب له، وهو لفتاة عربية في مقتبل العمر تقدم الفكرة ذاتها أمام لجنة لكشف المواهب في برنامج عربي قبل حوالي خمس سنوات.

الفيديو العربي – وللأسف أنسبه إلى العرب ككثير من تبرّمنا من حالنا، ولكنه هذه المرة تبرّم في محلّه لأنه بالصوت والصورة والصفاقة – كان يقدّم الفتاة الشابة العربية، وربما هي في سنّ الطفولة تشرح اختراعها المشار إليه أعلاه، فلا تجد من بعض أعضاء اللجنة سوى الاستهزاء والسخرية، والإتيان بحركات فيما بينهم لا تصدق إلا على صِبية وهم يعاكسون بعضهم البعض، ولا ينقصهم إلا معلم من الطراز الكلاسيكي يهوي بعصا الخيزران على كل منهما ليكفّا عن هذا اللهو والعبث!

إلا أنه ما كان لهواً، إنما لهوٌ سمجٌ على موهبة شابة، تتلمس طريقها في درب العلوم والاختراعات، في وطن عريض يضنّ على العالم بالمواهب والإسهامات الحقيقية في سوق الاختراعات وبراءاتها، بسبب الأنظمة التعليمية، والبيئة البحثية، والعقليات الجامدة، وشحّ الموارد المتاحة للعلوم في مقابل الأسلحة وبرامج التنصت، وشراء الذمم ورشوة الإعلام الغربي لتلميع صور الأنظمة التي تحتاج إلى أكثر من المنظفات التي تزيل 99.9 % من الأوساخ، لأن أوساخها يستحيل تنظيفها، ومع ذلك، فلجنة مثل هذه التي ظهرت في الفيديو المؤلم تفرّط في المواهب بخفّة ولا مسؤولية.

البرامج التلفزيونية على شاكلة هذا البرنامج الذي من المفترض أن يكشف عن المواهب العلمية والمخترعين الشباب، مشكلتها أنها مهووسة بالنماذج الغربية، ويجب أن تتطابق شخوص لجان التحكيم هنا بتلك البرامج الأصلية، فيأتون بحكم حنون، وآخر متوازن، وثالث حازم حدّ القسوة، ليحبكوا السيناريو أمام المشاهدين ويصلوا بهم إلى درجة التشويق والمتعة، غير آبهين بما يمكن أن ينتهي إليه حال المواهب الطريّة التي تقف بارتعاش أمامهم.

يعلم الله كمّ من المواهب التي ضيّعتها لجان تحكيم على هذا الطراز وفي شتى المناحي والفنون والعلوم، إما خوفاً على مصالحها، أو جهلاً، أو استظرافاً، لتهجر الكثرة منها هذا المجال، وتهجر كثرة أخرى هذا الوطن، وتترك الباحثين يتساءلون عن أسباب هجرة الأدمغة العربية إلى الخارج.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .