العدد 3646
الإثنين 08 أكتوبر 2018
banner
الـ “أنا” والوعود والاستقامة...
الإثنين 08 أكتوبر 2018

التفتَ أحدُ الحضور نحوي متسائلاً في استغراب: كيف ترى ما يفعله هذا المسؤول؟ وكان يقصد قيام أحد المسؤولين في إحدى المؤسسات الاقتصادية الخاصّة المعيّنين حديثًا بتوزيع حقائب افتراضية من الوعود على الحاضرين!: سأقوم أنا بتعديل شامل للرواتب والامتيازات، سأقوم بمنح المساعدة التعليمية لأبناء العاملين، سأقوم بتوفير القروض الإسكانية، نعم أؤكد لكم بأني سأقوم أنا بتنفيذ وعودي، وعود ووعود! كان تعليقي على ذاك التساؤل مختصرًا: يبدو أن هذا المسؤول لا يكاد يرى أبعد من أنفه!

تلك كانت الحقيقة ولم أكن أرى خلاف ذلك، فاستمرار ذلك المسؤول في نثر الوعود دون أي إحساس بمسؤولية تصريحاته غير الواقعية ودون أن يسأل نفسه عن مدى عقلانية تلك التصريحات يدل وبوضوح أنه كان حينها تحت السيطرة الكاملة للقلب بعد أن غيّب الحماس والتصفيق العقل لديه. وكأن الحضور قد أدرك هذه الحقيقة فأخذ في المبالغة بالتصفيق والهتاف حتى بلغت الـ “أنا” لديه قمة العظمة والتفخيم وبالتالي توسعت رقعة الوعود.

سيعي صاحبنا بعد أن تعود هذه الـ “أنا” اللعينة التي يقول عنها (نيتشه): كلما أصعد كان يتبعني “شيطان” اسمه الـ “أنا” سيعي بأنه قد باع بضاعة هو ليس بمالكها. سيدرك بأنه ليس هو من يمتلك ناصية القرار في نقل تلك الوعود التي نثرها على الناس من خانة الأحلام والأمنيات إلى الواقع الملموس، فهذا من صلاحيات سلطة أخرى هي مجلس إدارة المؤسسة، هذه السلطة كما يعرف صاحبنا، هي جهة الاختصاص في النظر في هذه المسائل وليس هو!

والآن لنطرح هذه التساؤلات، كيف ستكون ردة فعل الموعودين في حال فشل هذا المسؤول في تنفيذ ما وعد به؟ والفشل وارد بل هو محتمل الحدوث جدًّا، فتلك الوعود تبدو قريبة من المحال في الظروف الاقتصادية السائدة؟ وسياسة التقشف التي وضعها مجلس الإدارة. هل يقوى على مواجهة العاملين؟ هل يقوى النظر في المرآة ومواجهة نفسه وتقبل النتائج، لقد فقدت المصداقية وفقدت معها الاستقامة وفقدت الثقة وفقدت احترام ورزانة القرار...

هل سيكون هناك من يحترم ويصدق ما أقوله بعد هذه التجربة؟ يجيبنا على هذا التساؤل عالم الإدارة د.أ. بنتون قائلاً: إن استقامتك يجب أن تتلاءم مع كل جانب من جوانب حياتك، إذا لم تكن تفعل ما تعد به أو ما تقوله لا يطبق فإن لديك مشكلة في الاستقامة، وقد لا يمكنك علاج قلة الاستقامة في كثير من الأحيان. انتهى. ما رأيك سيدي القارئ في تطبيق مبدأ افعل ما تقول وقل ما تفعل؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .