العدد 3641
الأربعاء 03 أكتوبر 2018
banner
هل انتهى الجيل الذهبي من المعلمين؟!
الأربعاء 03 أكتوبر 2018

قبل قرابة عقدين من الزمان، تركزت جهود موجهي وزارة التربية والتعليم على حث طلبة المرحلة الإعدادية على اختيار المساق التجاري؛ وذلك دفعا للطلبة والخريجين للمساهمة في رؤية البحرين لتكون المركز التجاري والمالي الأول في المنطقة. واستجابة لنصائح المرشدين التربويين آنذاك، ولضمان وظيفة “مطلوبة” في سوق العمل، تجاهلت ميولي ورغبتي في دراسة الفلسفة، ودرجاتي الأعلى في العلوم والرياضيات، وقررت دراسة المساق التجاري، وهذا ما ألزمني بأن أسلك دربا أطول كل صباح، فأحمل حقيبتي المدرسية مع مطلع كل فجر من ضواحي المنامة إلى قلبها، وتحديدا إلى مدرسة الحورة الثانوية للبنات، فالمساقات التجارية لم تكن متوافرة إلا بعدد محدود من المدارس.

لا أعلم حتى اللحظة، ما إذا كان قرار دراسة المساق التجاري صائبا أم لا، لكنني قضيت في “الحورة الثانوية” 3 سنوات دراسية هي الأجمل والأروع على الإطلاق، فجرعة الحب المقدمة مع العلم في كل حصة دراسية والفسح وطابور الصباح لم أجد مثيلها إلا مع فريق معلمات “الحورة التجارية” بقيادة التربوية الفاضلة الأستاذة سهام الزياني.

ذاكرتي الوجدانية في هذه المدرسة، تحمل أيضا الكثير من مشاعر الامتنان للأستاذة إيمان شبر لما قدمته لشعبة “تجر 7” على امتداد 3 سنوات، إذ لم يقتصر الأمر على الرعاية والمتابعة اليومية مرشدة للفصل فقط، بل كانت مستشارا نفسيا ومدافعا قويا عن حقوقنا إن لزم، أما الأستاذة وداد الهاشمي، فلم تكن تقدم لنا دروسا في اللغة العربية فحسب، بل كانت فعليا دروسا في فن التعامل مع الحياة، فالشعر كان مساحة لفهم الآخر وتطوير العلاقات، والتعبير كان فرصة لتنمية العقل ومهارات التفكير. وبجانب شبر والهاشمي، حولت الأستاذة زيبا شاكر حصص “المحاكاة” إلى جلسات لتعزيز الثقة بالنفس والتخاطب مع الآخر باعتزاز... “احنا بنات الحورة.. خلكم فخروين”.

أتذكر بابتسامة عريضة حصة “الشريعة الإسلامية” للأستاذة الرائعة فاطمة أمين، وكيف كانت تستقبل بهدوء وابتسامة أسئلة طفلة مشاكسة (أنا) كانت ترغب بأن تقيم كل الأمور حولها بمسطرة المنطق، وإن كان موروثها الديني.

سنوات مرت على تخرجي من تلك المدرسة المميزة، وغادرت قطاع التربية والتعليم الأسماء الواردة أعلاه كلها عبر نظام التقاعد... الصور والمواقف الجميلة تضيء ذاكرتي بين الحين والآخر ومعها سؤال واحد، هو “مع نمو الأنا، وتنامي النزعة المادية، هل انتهى الجيل الذهبي من المعلمين البحرينيين؟ أم مازال فيهم من يعطي ما هو خارج وصفه الوظيفي ومتطلبات عمله؟”.

سؤال ظل عالقا في ذهني لسنوات، وجدت إجابته قبل أشهر فقط، وذلك في ورشة عمل قدمتها الأستاذة أحلام يوسف، المعلمة الأولى للغة الإنجليزية وفريقها في مدرسة جدحفص بغرض تطوير استراتيجيات التعليم والتقويم للطالبات، فما أظهرته يوسف من حب ورعاية واتصال خلال تطبيق أساليبها التربوية لم يثبت لي أن “المعلم الذهبي” لا يزال موجودا فحسب، بل تعداه ليستحضر مشاعر الطفولة لدي، فتمنيت لو أعود طفلة على مقاعد الدراسة الثانوية؛ لأستمتع بدرس في الحياة باللغة الإنجليزية من الأستاذة أحلام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .