العدد 3635
الخميس 27 سبتمبر 2018
banner
اختلاف ثقافات
الخميس 27 سبتمبر 2018

نواجه في حياتنا اليومية العديد من المواقف، قد يكون بعضها صعباً أو ربما مضحكاً، أو قد تكون مليئة بالعبر التي يمكننا أن نتعلم ونستفيد منها الشيء الكثير، والأمثلة على ذلك متعددّة، وعلى الإنسان التمعّن قليلاً والتفكير في تلك المواقف وخصوصا تلك التي يُمكن الاستفادة منها، وأنا من النوع الذي يحاول أن يقلد الآخرين في مواقف ومناسبات عدّة، قد تكون أحياناً في محيط العمل، من رئيسي، من زملائي، أصدقائي، عائلتي أو حتى الغرباء حيث تصادفنا الكثير من الأمور وخصوصا خلال فترة السفر.

من المواقف الطريفة التي صادفتني مؤخراً في بلدي أنني كنت ذات مرّة واقفاً على يمين الإشارة الضوئية سالكاً مساري الصحيح، وإذ بامرأة من جنسيّة أوروبيّة في سيارّة أخرى تقف على يميني تبادرني بالسلام، ظننت وقتها أنها ضلّت طريقها وترغب في أن أساعدها  في الوصول إلى وجهتها غير أن ما توقعته لم يكن صحيحاً على الإطلاق، حيث أرادت تلك السيدة تقديم الاعتذار لي بسبب وقوفها الخاطئ على يسار الطريق في حين كانت تريد أن تسلك المسار الأيمن للشارع، وبررت ذلك بأنها تريد أن تدخل إلى مجمعها السكني الذي يقع على يمين الشارع، بالطبع قبلت اعتذارها بكثير من الودّ والتقدير على الرغم من أنها لم تكن بحاجة إلى تقديم ذلك الاعتذار، وفي الواقع رفعت لها القبعة على هذا التصرف الحضاري الراقي.

في حين أنه وفي نفس أسبوع هذه الواقعة، كنت في طريقي أقود سيارتي في أحد شوارع العاصمة، وكان أحد السوّاق الآسيويين يقود مركبته في الاتجاه الخاطئ، الأمر الذي يُشكّل مخالفة مروريّة جسيمة، وأذكر أنني قمت حينها بالإشارة له لتوضيح فداحة الخطأ الذي ارتكبه عامداً متعمداً، فهل تتوقعون معي ماذا كانت ردّة فعله؟ قال بكل بساطة ووقاحة إن ما عمله أمر عادي.

قيل في الأمثال “إن لم تستح فافعل ما شئت”، كما قيل قديماً إن السياقة فنّ وذوق وأخلاق، وأضيف إنها تنطوي أيضاً على قدر من المسؤولية، فقيادة السيارة ليست شأناً شخصياً فحسب، بل هي نشاط يتعلق بالآخرين وحياتهم وسلامتهم على الطريق وحياة وسلامة سائق المركبة نفسه.

لاحظوا معي وتأملوا الفرق بين المثال الأول والثاني، إنه شيء غير معقول ونحن في هذا القرن، لكنني أصدقكم القول إن هذا الموقف علمني أننا يجب أن نأخذ العِبرة من الممارسات والسلوكيات الصحيحة، ونتعظ من أفعال وتصرفات الآخرين حتى وإن لم يكونوا من نفس ديننا، فالأخلاق الحميدة الكامنة في الإنسان لا علاقة لها بالدين الذي يعتنقه الإنسان والأمثلة على ذلك كثيرة، وإن كان الدين الإسلامي في واقع الأمر يحضّ على حُسن الخلق ويدعو إلى التعامل بين الناس بالحُسنى.

بطبيعة الحال إن بناء جيل يحمل أبناؤه الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة أمر يتطلب عملاً جاداً وليس سهلا على الإطلاق، حيث إن غرس هذه الفضائل ينبغي أن يبدأ من المنزل أولاً مروراً بالمدرسة وحتى مرحلة الجامعة، كُل ما نحتاجه فقط هو أن نكون جادين في تربية أبنائنا من أجل أن نبني جيلاً صالحاً. وللحديث بقية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .