العدد 3627
الأربعاء 19 سبتمبر 2018
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
قُتِل الحسين دونها
الأربعاء 19 سبتمبر 2018

مازال الكثير منا يتساءل بشدة، وبعضنا يستنكر، وآخر ينتقد، ويكيل التهم المجانية إلى قضية خروج الحسين بن علي حفيد الرسول (ص)، مع جمع من عائلته وأطفاله، في سفرة بريّة طويلة من شبه الجزيرة العربية إلى العراق، حيث الأجواء الحارة والرطبة، التي لا يتحملها أو يطيق عناءها شباب في مقتبل العمر! لذلك ترتسم في مخيلاتهم أجواءٌ من ألف ليلة وليلة؛ إذ الخيال إليهم أقرب من الحقيقة؛ فقضية الخروج تبدو كحكاية يرويها شيخ في إحدى ليالي السمر! وهذا العقل بعد 1400 وتزيد، من الصعب عليه تصّور الكثير من الأحداث التي أرّخها لنا عدد كبير من المؤرخين، وكُتّاب السِيَر.

ورأينا الإجابات على الخروج الحسيني الكبير تتخذ سيناريوهات ومشاهد تصويرية، بعضها يميل إلى الحِسّ الخرافي، الممزوج بروايات لا تمت إلى العقل والمنطق بصلة، من قبيل عقد مراسيم الزفاف المعروفة، التي تم توارثها عبر زمن طويل؛ حتى تم التنبيه لها مؤخرا، وتسويغ رفضها أو ربما قبولها ببعض المبررات، ولا نزال حتى اليوم نشهد من (يُخرفن)- من الخرافة- هذا الحدث التاريخي الكبير، ويُصرّ على تسطيحه، وهو بذلك؛ أقرب إلى الإضرار به من محاولة نفع الناس به!

وخارج نطاق التسطيح أو التعميق، ومن المسؤول عنه!؟ للعقول أن تقف قليلا أمام شخصية الحسين والحدث العاشورائيّ، وأن تستقرئ التاريخ، وأن تبحث عن هذه الأسطورة التي استطاعت أن تشق طريقها عبر مئات السنين؛ لتصل إلى عامنا هذا، وتتخطاه إلى سنوات قادمة ستتجاوزنا لا محالة.

للعقول في كل مكان، وللباحثين، والمدققين، للشعراء، والملهمين، لصناع ثقافة تطوير الذات، وتحليل الطاقات عن بعد وعن قرب، أينكم من هذه الشخصية العابرة للزمان والمكان! وهل يُخلَّد إلا ما كان عظيمًا، وهل تبقى شخصية ساطعة جديدة براقة، كأنها وُلدت يوم أمس، إلا حين تحاط بهالة من المجد، إن الخلود تبنيه القيم العليا، فكلما كانت إنسانية؛ رسخت، وتناسختها الأجيال، هذا سر الخروج الحسيني الذي تكالبت عليه النفوس الحاقدة والمحبة في آنْ! إنه الخروج للدفاع عن القيمة العليا التي لم تكن تجسد قيمة الحسين الخاصة به، بل المفهوم الفلسفي العميق الذي تحمله لفظة (الحق) وما يندرج تحتها من حقوق؛ تتخطى الهمّ الشخصي إلى الإنساني، وتعبر حدود المحلية إلى العالمية، فكم شخصية على استعداد للتضحية في سبيل القيم العليا اليوم؟!

العالم اليوم مُتخم بآخر صيحات التكنولوجيا، وفقير مُعوز إلى القيم؛ القيم وحدها هي التي تُخلد، وتصنع الأبطال والرموز، وقد قُتل الحسين دونها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .