العدد 3625
الإثنين 17 سبتمبر 2018
banner
حصار التحرُّش
الإثنين 17 سبتمبر 2018

هل ازدادت قصص التحرش وتوحّش المتحرّشون، أم اتسعت دائرة الضوء وكثر الذين (وفي الغالب: اللاتي) يضيئون المشاعل من أجل تركيز الضوء على هذه القضية المهمة، والتي باتت، هي والابتزاز الجنسي، من أكثر القصص إثارة للتقزز وتنبئ عن أمراض خطيرة تضرب أسس القيم التي تحاول المؤسسات المجتمعية الحفاظ عليها وسط الطوفان الهادر من اللا يقين “المعولم” الذي بات يطيح بجدران هذه القيم وقوالبها؟!

فمع كثرة القصص المفتضحة للتحرش الجنسي، أو محاولات التحرّش، فإن هناك من تنسيه اندفاعاته ما يحدث حوله ليمارس الخطيئة هذه نفسها، ويجد نفسه، وخصوصاً إن كان من المرموقين في قطاعاتهم، تُلاك سمعته، وتتداولها الألسن، والإعلام الاجتماعي، وكل الوسائل التي تطوّح بمبدأ “الله أمر بالستر”، وتبطل مقولة “دارٍ درى... ودارٍ ما درى”، فالجميع اليوم يدري ما الذي يحدث لحظياً في أي مكان في العالم.

في خضم هذه الأقاصيص، التي يندى لها الجبين في الكثير من الأحيان، لابد لنا من التوقف عند نقطتين لا تقلان أهمية عن الفعل نفسه، بل لابد من أن تكون بالوضوح ذاته للقضية الأصلية حتى لا تشوّه الحقائق.

النقطة الأولى تتعلق بحدود التحرش، خصوصاً اللفظي، فما الذي يمكن أن يكون تحرشاً، وما الذي لا يكون كذلك، فلكل ثقافة كلمات وتعبيرات متعارف عليها في سياقاتها، وقد يصدف أن يعمل شخص من ثقافة في بلد آخر بثقافة مختلفة، ومهما يكن مطلعاً على ما يجب وما لا يجب في هذه الثقافات، إلا أن انفلات الكلمة، أو النظرة، أو حتى الاتصال الجسدي، قد يجرّ عليه - في ثقافة أخرى – عقوبات، ربما أقلّها “التحرّش”.

فمن القصص التي لا أزال أرويها بدهشة، رغم أنني سمعتها منذ بضع سنين، أن ولي أمر طالب في الصف السادس الابتدائي في بريطانيا، رفع دعوى على معلّمة ابنه لأنها وضعت يدها فوق كتفه، والتهمة: التحرّش! في حين أن هذا التصرف في ثقافات أخرى، وبلدان أخرى ينمّ عن تودّد، أو نوع من الأبوّة/الأمومة التي يمارسها المعلمون لإظهار رضاهم عن طلبتهم، أو افتخاراً بمستواهم.

فتعريف “التحرّش” سيحتاج إلى جهود وطنية في الدول التي يشغلها هذا الموضوع حتى يُعلم فعل التحرّش من عدمه، والأهم أن يكون لدى الضحية أيضاً علم بأن ما حدث لها للتوِّ كان تحرّشاً أو هو وهم بالتحرّش.

النقطة الثانية، أن ليست كل القصص يفترض أن تسير في اتجاه واحد، وهو: فاعل (متحرّش وغالباً يكون رجلاً) ومفعول به (وغالباً امرأة)، فالأمور باتت أكثر تعقيداً، ومادام الحديث عن الحواجز التقليدية التي تنهار بفعل هذه الأمواج العاتية؛ فمن المحتمل ظهور طبقة من مدّعي وقوع التحرّش عليهم، طلباً للتسوية، أو الشهرة، وإن على حساب السمعة الأخلاقية التي تراجعت أهميتها في العقود الأخيرة، وهنا يمكن أن تظهر هذه الطبقة من المغامرين المقامرين لترمي كل الأوراق للوصول إلى المآرب مع شخصيات كبيرة ومرموقة وذات شأن، إما لتنال بعض شهرتها أو لابتزازها.

أسوق النقطتين لأصل إلى أنه لابد من حصار التحرش وحشره في أضيق الزوايا حتى لا يشعر من يقوم به، سواء الفاعل أو من يدّعي التعرض له، أنه بمأمن من العقاب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية