العدد 3625
الإثنين 17 سبتمبر 2018
banner
المبالغة في المؤهلات... لماذا؟
الإثنين 17 سبتمبر 2018

استذكر حوارًا دار بيني وأحد المسؤولين الوافدين حول الشروط والمعايير التي وضعها لوظيفة كان يريد الإعلان عنها وكانت تبدو تعجيزية وغير معقولة. هذا الحوار حدث قبل أكثر من عشرين عامًا كنت حينها اعمل في إحدى المؤسسات الاقتصادية المعروفة في القطاع الخاص. واعتقد بأن مثل هذه الممارسات التي سأتحدث عنها لاحقًا قد تلاشت أو تضاءل وجودها الآن بسبب وعي وثقافة العاملين في أجهزة الموارد البشرية.

سألت المسؤول: لماذا هذه المبالغة في المؤهلات المطلوبة لوظيفة سهلة وبسيطة يمكن لخريج الثانوية أو حامل الدبلوم القيام بأداء مهامها وبشيء من التدريب؟ هل تتوقع أن يتقدم من يحمل مثل هذه الدرجات الأكاديمية والمهنية الرفيعة، كما طلبت، لوظيفة بسيطة كهذه؟ نظر إلي المسؤول وكأنه قرأ ما ارمي إليه فرد قائلا: نحن مؤسسة راقية تعمل بمعايير دولية ولديها شهادة الجودة لذا فهي تحرص على توظيف أفضل الكوادر المتخصصة!.

قاطعته قائلًا: وما علاقة ما تقوله بطلب مثل هذه المؤهلات التعجيزية؟! أنا اعمل في هذه المؤسسة منذ أكثر من 10 سنوات واعرف تماما بحكم خبرتي وتخصصي المتطلبات الفعلية لمثل هذه الوظائف: اعتقد بان لديك هدفًا آخر، أليس كذلك؟ أجابني بشيء من الارتباك: هنالك في الخارج من لا يهتم بمقارنة مؤهلاته وتقييمها على ضوء الامتيازات المادية أو مستوى الوظيفة، هم في أمس الحاجة للوظيفة! قاطعته مرة أخرى قائلا: إذن أنت تعد وتفصل متطلبات الوظائف وشروطها لتتلاءم مع مؤهلات شريحة محددة ومن بيئة أخرى لا تنتمي إلى الكفاءات المحلية أو تشملها فهذه الكفاءات، اقصد المحلية، ليست- كما يبدو- الشريحة المستهدفة من قبلك! أليس كذلك؟

صمت صاحبي للحظات قال بعدها: تريد الصراحة أنا أحس بارتياح أكثر عندما اعمل مع أناس من ذات البيئة التي أتيت منها، هم يحترمونني ويقدرونني أكثر ويهابونني ويظهرون الطاعة العمياء لي ويمكن أن اطلب منهم أي شيء وفي أي وقت ويكون الجواب دائما: حاضر سيدي! ويأتي الإنجاز في الحال إضافة أننا نتحدث ذات اللغة. نظرت إلى محدثي باستغراب وختمت حواري معه قائلًا: هذه مبررات غير مقنعة، أنت لم تقل الصراحة بعد! أنا وأنت نعرف تماما هدفك الحقيقي! وما سقته من مبررات هي في الواقع ذرائع غير مقنعة كما قلت لك لأنها خارج حدود المهنية بل هي خارج حدود العقل والتعقل!

ربما استطيع القول بان مثل هذه السلوكيات أو لنقل الممارسات واقصد المبالغة في شروط الخبرة والمؤهلات بهدف جلب العمالة الوافدة قد تلاشت ولكن هاجس عودتها ربما لا يزال يسكن بعضنا والحل يكمن في وضع أجهزة الموارد البشرية في أيدي الكفاءات من أبناء البلد وتوفير المساندة اللازمة لها وهذا التوجه في اعتقادي يخدم إضافة إلى الهدف الأساس وهو متابعة تنفيذ السياسة العامة للتوظيف بالمؤسسة فإنه يحقق هدفين آخرين مهمين أولهما أن هذه الكفاءات أدرى بالقوانين والأنظمة والإجراءات المتبعة وطرق التعامل معها وهذا يساعد المؤسسات على إنجاز معاملاتها بكفاءة أفضل والهدف الآخر هو دراية هذه الكفاءات واتصالاتها المباشرة بالكوادر البشرية المحلية ومصادرها. ما رأيك سيدي القارئ؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية