+A
A-

قصة هبوط الليرة التركية و10 سنوات من التراجعات القياسية

هبوط الليرة التركية يختزل المشهد الذي تمر به تركيا واقتصادها حاليا، من صعود متواصل استغرق سنوات، إلى هبوط مستمر وعمليات هروب واسعة لرؤوس الأموال الأجنبية، وبيع لا يكاد يتوقف لعملة هي مرآة لاقتصاد يحتل المرتبة الـ 17 عالمياً.

وكان الاقتصاد التركي يحتل مرتبة متدنية قبل عام 2003 بنمو متواضع، إلى نمو اقتصادي في 2017 وصل إلى 7.4%، متفوقاً على الفرسان الثلاثة داخل مجموعة العشرين وهي الصين والهند وإندونيسيا.

وللعملة التركية رغم هبوطها الحاد ذكريات جميلة مع الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، حيث كان الدولار يساوي 1.16 ليرة في 2007، وهو من أعلى المستويات أمام الدولار.

قصة هبوط الليرة التركية بدأت طيلة الـ10 سنوات الماضية، وهي تشهد تراجعات متتالية، حيث انخفضت إلى 2 ليرة لكل دولار للمرة الأولى في سبتمبر 2013، ثم واصلت تراجعها لتكسر حاجز الـ3 ليرات لكل دولار في سبتمبر من العام الماضي، قبل أن تعود وتهبط إلى مستوى 4.7 ليرة مقابل الدولار، وتتخطى يوم أمس الأحد حاجز الـ7.2 ليرة لكل دولار.

ولا شك أن هذا الهبوط وراءه عدد من الأسباب، منها ما هو سياسي، وبعضها يرجع لأسباب اقتصادية.

"الليرة التركية ستهبط إلى 8.5 وإلى 9 ليرات مقابل كل دولار بنهاية العام الحالي".. هكذا رأى الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر الأميركية لدراسات أسواق المال عمرو عبده في حديثه لـ"العربية.نت".

لهذه التوقعات ما يدعمها واقعيا، بعضها سياسي والآخر أسباب اقتصادية بحتة.

فحجم الديون الخارجية بالدولار يمثل 53% من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، وودائع القطاع غير البنكي بالدولار أقل من المديونيات، والفرق بين ودائع القطاع غير البنكي مقارنة بالانكشاف أو القروض والالتزامات حوالي 200 مليار دولار.

السبب الثاني برأي عمرو عبده أنه خلال الـ12 شهراً القادمة، مطلوب من القطاع الخاص غير المالي سداد ديون أو إعادة تمويل قروض بـ 66 مليار دولار، ومطلوب من البنوك والقطاع المالي سداد 76 مليار دولار.

كما أن 67% من إجمالي الديون للحكومة أو القطاع الخاص ديون خارجية، وهذا سيعزز من الطلب على الدولار والعملات الأجنبية، وديون الحكومة 95 مليار دولار.

ولاختصار الأمر فإن مجمل ما تحتاجه تركيا لسداد الديون وتمويل وارداتها يصل إلى 218 مليار دولار سنويا، وهذا يعني أن القطاع الخاص في تركيا، وهو قاطرة الاقتصاد، مطلوب منه إعادة تمويل أو اقتراض كل هذه الأموال، ومع هبوط الليرة وتأزم الوضع الاقتصادي فلا أحد لديه رغبة في توفير كل هذه القروض لبلد لديه صراع مع أميركا، وفي حال تم توفير هذه القروض فستكون بفوائد قياسية.

ويرى عبده أن التدخل السياسي في إدارة الملفات الاقتصادية يعتبر أحد أسباب هبوط الليرة، حيث يوجد صراع خفي بين القادة السياسيين ومسؤولي السياسات النقدية والبنك المركزي التركي، من بينها ما يتعلق بأسعار الفائدة.

وتدور الشكوك حول قدرة تركيا على الخروج من الأزمة الراهنة لعدد من الأسباب.

رفع مستويات الفائدة لن يحل المشكلة، وكذلك تخفيض الإنفاق ورفع الإيرادات، خاصة أن الإنفاق الحكومي يعتبر أحد أهم مكونات النمو الذي تحققه أنقرة.

تخفيف التوتر مع أميركا فيما يتعلق باعتقال القس آندرو برونسون، مستبعد، بسبب تمسك أنقرة بموقفها، كما أنه من الصعب إقناع الرأي العام أن السلطة السياسية رفعت يدها عن السلطة المالية في حال قام أردوغان بمنح البنك المركزي الاستقلالية الكاملة لإدارة أزمة انهيار الليرة.

وبحسب عمرو عبده، فإن تركيا أمام تحدٍّ كبير في نوفمبر المقبل، حيث تستورد 90% من استهلاكها النفطي، وإيران أحد أبرز موردي النفط لأنقرة، وبحسب العقوبات الأميركية على تركيا توفير بديل لنفط إيران وإلا ستتعرض لعقوبات إضافية ستحول دون السيطرة على هبوط الليرة.

وبحسب مركز معلومات الطاقة الأميركي، فقد استوردت تركيا 99% من احتياجاتها للغاز الطبيعي بمقدار 1.7 تريليون قدم مكعبة، 57% منها من شركة غازبروم الروسية، فيما تستورد النفط من إيران والعراق اللذين لهما نصيب الأسد من واردات النفط التركية.