العدد 3589
الأحد 12 أغسطس 2018
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
شوقية حميدان والنزول إلى الميدان
الأحد 12 أغسطس 2018

سوق جدحفص آخر ما تبقى لنا من أصالة جميلة للأحياء، والزمن الجميل. عندما أتنقل بين السوق أو أمر عابرًا لزيارة والدتي أشعر بعبق التاريخ، وبذكريات الطفولة تلوّح لي من بعيد. وكنت دائم الشراء من باعتها ومن المرحوم الشاب قاسم الذي رحل مؤخرًا تاركًا جرحًا ينزف في قلوب محبيه في البحرين، وفِي هذه السوق المعتقة بجمال الذكريات، وورد محمدي الطيبة الذي ينبعث من المعاملة حيث تجد حالات المرح والبهجة والقبول بالرزق الذي وزّعه الله على باعتها الطيبين.

وقلما تجد شابًّا أو عجوزًا يخرج من سوق جدحفص متذمرًا، إنهم أشبه بفريق عمل ما زالوا يمتلكون الرضا والقناعة. لم تقتل فيهم الرأسمالية والعولمة ذلك الرضا في وقت أضرمت الرأسمالية المتوحشة جشع التجار أصحاب الأكتاف العريضة.

كان المؤمل بعد عشرات السنين لهذه السوق أن يفاجئنا مسؤول بخبر سعيد من قبيل تجديد السوق أو شراء أرض مع تأجير مدعوم من قبل الدولة، لكن للأسف أمانة العاصمة أقدمت على خطوة غير موفقة، وتعكس حالة تخبط لدى الإدارة، فحتى لو كان الهدف تطبيق القانون ينبغي أن يكون بأسلوب واقعي وعلمي وحضاري واقتصادي وإنساني أيضًا، لكن للأسف بعض المسؤولين أول ما يعيّنون تخرج عضلاتهم العنترية على الناس الغلابة، متناسين أن المنصب زائل ودعم الناس الفقراء هو الباقي حيث يتحوّل دعاؤهم إلى رحمات.

كان بإمكان الأخت شوقية حميدان أن تنزل إلى السوق بنفسها وتطلع على حاجيات وهموم ومشاكل الباعة وتمسح على قلوبهم بسبب غياب الاهتمام الرسمي لهذه الفئة من الناس، حيث جمر الصيف وقسوة الشتاء وإن نزلت كان المؤمل خدمتهم لا ترجمة النزول بهكذا أسلوب. وبإمكان مسوؤلي أمانة العاصمة الجلوس مع هؤلاء، وكتابة كل حاجاتهم، وليس النزول على السوق بأسلوب استفزازي وبحجة تطبيق مطرقة القانون دون دراسة، ولو أنها فعلت لكسبت القانون والباعة بالوصول إلى صيغة حضارية يتم فيها الحفاظ على أرزاق الناس، وتطبيق القانون، وتشكيل سوق جميلة تتوفر فيه كل مستلزمات المدنية، فهؤلاء ظلوا ولسنين يشكون من عدم توفر مرافق صحية، ورغم ذلك رضوا بالقليل.

أتمنى على الباعة الدخول إلى اليوتيوب ليشاهدوا سوق الخضار والفواكه والسمك في برشلونة أو سويسرا، وخصوصًا برشلونة، وحجم اهتمام البلدية بهم.

الأخت شوقية حميدان مدير عام أمانة العاصمة، نقول ربّ ضارة نافعة، فما حدث يمكن الاستفادة منه في تسليط الضوء على حقوق الباعة، فهل تنزل شوقية حميدان إلى الميدان؟ فجدحفض للأسف هي المنسية من الكعكة الرسمية رغم مواقفها التاريخية والوطنية منسية في ملف البطالة والمراكز الصحية، وقلة المدارس رغم تضخم الجغرافيا، والعدد السكاني الكبير. القيادة متمثلة في جلالة الملك وأيضًا الحكومة وولاية العهد كثيرًا ما توصي بهذه المدينة، وأهاليها الطيبين، ولكن للأسف قلة من المسؤولين من ينزلون للمدينة لمعرفة حاجة المدينة.

إن حجم الجدل الذي أصبح حديث الساعة، والذي انعكس بعد تصرف الأمانة في الأوساط الشعبية على مستوى البحرين وخصوصًا في جدحفص، يدل على حجم حب أهالي جدحفص لهذه السوق، ومدى تلاقيها مع النبض الذي ترجم إلى مشاعر وحب وتعاطف من قبل كل الأهالي، فإما أن تقوموا بشراء أرض تبنى بطريقة حضارية ومدنية قريبة من ذات السوق أو في قلب المدينة أو إعادة بناء ذات السوق لتعكس حضارة البحرين.

هذا ونحن نتكلم عن جدحفص، فماذا عن المنامة، وهي الأخرى تعاني من نقوصات كثيرة وعلى جميع المستويات، فهل سيتم التعامل معها بأسلوب حضاري ومدني لتحويلها لأيقونة جمالية؟ ما أجمله من أسلوب حضاري قام به الباعة من مناشدة جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء بالتدخل، أسلوب حضاري قائم على الاحترام والتقدير والعفوية التي تعكس الوطنية بامتياز.

سوق جدحفص وجدت لتبقى، وستبقى عبقًا ينبعث من تاريخ الأجداد، يذكرنا بالأصالة والطيبة حين تلامس شواطئ الذاكرة، ومرافئ الحب. وجدت لتبقى وستبقى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .