+A
A-

التكنولوجيا تعطي الفحم فرصة جديدة لإضاءة العالم

إمداد العالم بالكهرباء ليس بالمهمة السهلة، مع وجود أكثر من مليار شخص يعيشون في ظلام دامس، أي ما يعادل 13٪ من سكان العالم معظمهم في البلدان النامية وتوقعات بارتفاع الطلب العالمي على الطاقة 40٪ خلال الـ20 عاماً المقبلة، لكنها مهمة غير مستحيلة في ظل التطور التكنولوجي وقدرة القطاع المستمرة على إعادة اكتشاف نفسه واللحاق بموجات "كهروثورية" في مجال الطاقة النظيفة.

واعتمدت صناعة توليد الطاقة منذ بداياتها بشكل رئيسي على المفاضلة ما بين الآثار البيئية ومنافع الإنتاج، وهو ما أعطى الوقود التقليدي كالغاز الأولوية لتقديم خدمات الكهرباء للمستهلك، إلا أن الحاجة لتنويع مصادر الطاقة وتنامي الطلب على إنتاج الكهرباء أعطى فرصاً جديدة لاكتشاف مكامن الضوء في الطاقة النووية، طاقة الرياح، الألواح الشمسية، وحتى الفحم الذي بدأ يعيد التعريف بنفسه كمصدر نظيف وآمن في حال استخدمت تكنولوجيا مختصة تضبط الانبعاثات الضارة من هذا المعدن الصلب.

وقال د.ساشا بارنيكس، المدير العام التجاري لجنرال إلكتريك باور (GE Power) في لقاء خاص مع "العربية.نت" "تعتبر الكهرباء أحد أهم مصادر الطاقة الأساسية ونعمل حالياً على تطوير مشاريع تقوم بتحويل الفحم "السائل" لطاقة آمنة وصديقة للبيئة عبر تقنية المراجل فوق الحرجة، (USC) Ultra-Supercritical Technoloy التي سنستطيع من خلالها جعل الطاقة متاحة لشعوب العالم وبتكلفة مناسبة.

وأضاف "من البديهي ربط الفحم بالتلوث خصوصاً مع رواج استخدامه في توليد الطاقة منذ القدم.. فالعالم يتطور والعودة للأساليب البدائية في إنتاج الكهرباء قد يحدث لبساً في فهم أسباب التمسك باستخدام هذا المعدن، وهو بلا شك ضار لو استخدم بالطريقة التقليدية، لذلك نتفهم مخاوف شركائنا، لكن ما يجب على الجميع معرفته أيضاً أن خواص المعدن لم تتغير وإنما تغيرت الطريقة التي تستخدم فيها لإنتاج الكهرباء لتصبح اليوم مع تطور التكنولوجيا واحدة من أفضل الطرق لإنتاج الكهرباء ومقاربة جداً لكفاءة استخدام الغاز وقد تضاهيها في بعض الأحيان".

وتابع "أن النمو المضطرد والمتسارع الذي تشهده صناعة الطاقة وُجد ليبقى متجدداً، وسيغير معه وبه شكل إنتاج الطاقة في المستقبل، حيث إن 85٪ من الطاقة الكهربائية ستنتج من قبل الدول النامية مدفوعة بنسب احتياج كل دولة على حدة، وهو ما سيدفع هذه الدول لتبني استراتيجية "مزج الطاقة" وتوسيع نطاق مشاريعها وتنويعها عن طريق استخدام الطاقة النووية، الغاز والفحم النظيف في إنتاج كهرباء الغد".

وتلعب الحكومات في أنحاء العالم دوراً محورياً في تحديد استراتيجية الطاقة في بلدانهم استناداً على مجموعة عوامل، بما فيها الموارد المتاحة محلياً، الجغرافيا الاقتصادية، العوامل الجيوسياسية للمواد التي يتم استيرادها، القدرة على تقييم المخاطر البيئية بالشكل السليم من ذوي الاختصاص، بالإضافة لتحديات أمن الطاقة وتكلفة الإنتاج.

المملكة المتحدة، على سبيل المثال، شرعت ببناء محطات جديدة للطاقة النووية لتوفير الكهرباء التي تحتاجها لدعم الاقتصاد والتخلص تدريجياً من اعتمادها على الفحم التقليدي. أما ألمانيا فتبنت استراتيجية "مزج الطاقة" (energy Mix) في إنتاج الكهرباء، حيث دعمت مشاريع الطاقة النووية من جهة وأدخلت محطات توليد الكهرباء النظيفة من الفحم على مسافة قريبة من الإنتاج مع الاهتمام بكفاءة التشغيل.

واستهدفت ألمانيا إيجاد قاعدة مرنة تضمن من خلالها استمرارية إنتاج الطاقة والاستفادة من قربها من مناجم الفحم في تركيا، الأمر الذي جعلها في صدارة الدول باستغلال الفحم بطريقة ثورية وبتكلفة مالية معقولة، رغم تقلب المواقف السياسية بينها وبين العاصمة أنقرة.

من جهة أخرى، لجأت العديد من الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية، إلى تكنولوجيا الفحم لتنويع مصادر إنتاجها من الطاقة، ومنها الصين ذات نسبة الاستخدام العالية للفحم النظيف 80٪ مقابل 20٪ للغاز، والولايات المتحدة بنسبة تزيد على 50٪، وكوريا الجنوبية بما يزيد على ٪30.

محطة "مانجنج 4" في ماليزيا

بدأت ماليزيا منذ عام 2011 في استغلال التكنولوجيا الحديثة وتدشين "مانجنج 4" أكبر محطة لتوليد الكهرباء المتطورة من  الفحم النظيف في جنوب شرق آسيا بطاقة إنتاجية تصل لـ 1000 ميجاوات بهدف مجاراة قوة الطلب على الطاقة في البلد الآسيوي محدود الموارد.

وتعمل محطة "مانجنج 4" المملوكة لشركة "تيناجا" شبه الحكومية بالتعاون مع الشريك الفني والتقني "جنرال إلكتريك" على تحقيق استراتيجية ماليزيا في تنويع مصادر الطاقة وإنتاج ما يكفي من الكهرباء النظيفة لما يقارب مليوني منزل ومنشأة في أنحاء البلاد وكبح انبعاث ثاني أكسيد الكربون الضار.

محطة مانجانج 4 في ماليزيا

وقال داتوك شامسول المدير العام لـTenaga (TNB)، "يحتاج العالم وبالأخص هنا في ماليزيا إلى طاقة مستدامة سهلة الوصول وموثوقة المصدر تؤمّن حاجات الأفراد اليومية للكهرباء. تعاملنا مع جنرال إلكتريك على مدى سنوات طويلة وجمعتنا الأهداف المشتركة خلال تدشين المحطة على 4 مراحل ونجحنا معاً في تشغيل هذا المصنع المتطور عبر تقنية المراجل فوق الحرجة (USC) الذي لم يوفر طاقة نظيفة فحسب بل حقق كفاءة أكثر بـ 10٪ من المتوسط العالمي لمحطات توليد الكهرباء من الفحم.

وأضاف "كل نقطة مئوية في الكفاءة تساهم بخفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 2٪ أي أننا حققنا 20٪ للمشروع ككل ما يعادل سحب نسبة تلوث تحدثها 3.5 مليون مركبة في الطريق. كما أن الكفاءة الإضافية تقلل من تكلفة تشغيل المحطة وبالتالي تقليل التكلفة الإجمالية للمشروع وحرق أقل للفحم بنسبة 3٪ وهو ما سيساهم بخفض تكلفة توليد الكهرباء على الأفراد مع مراعاة المحافظة على البيئة وسلامة المجتمعات السكانية المجاورة للمحطة. نحن نعيش جنباً إلى جنب مع السكان ولم يعق المشروع الحياة بل ساعد السكان في الحصول على الكهرباء الضرورية ودعم سوق العمل وخفض البطالة في المنطقة".

وتختص محطة "مانجنج 4" بنظام مراقبة جودة الهواء من "جنرال إلكتريك" AQCS والذي يساعد على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون Sulfur Dioxide SO2 وأكسيد النيتروجين Nitrogine Oxides NOx من محطة توليد الطاقة لأكثر من 70٪ مقارنة مع محطات "مانجنج" الأخرى. فيما نجحت خاصية جنرال إلكتريك GE's (Seawater flue Gas Desulfurization (FGD باستخدام مياه البحر في إزالة  الكبريت من غاز المداخن لأكثر من 90٪ من ثاني أكسيد الكربون SO2 ما يضع محطة "مانجنج 4" عند مستوى 200mg/Nm3 وهو أقل بكثير من معايير البنك الدولي عند 750mg/Nm3، الأمر الذي سيساعد على خفض 4-5٪ من الانبعاثات مقارنة مع الوحدات القديمة، وهو ما يشكل تحسناً بيئياً قوياً في المنطقة.

وقال د.ساشا بارنيكس، "تكلفة تدشين محطة توليد الكهرباء من الفحم تختلف باختلاف موقع المشروع ومدى قربه أو بعده من مياه البحر ونوعية الفحم التي ستستخدم ومصدرها، لذلك نحتاج بطبيعة الحال لدراسات جدوى اقتصادية لكل حالة على حدة ومن ثم تصميم هيكل يتناسب مع الطبيعة الجغرافية لكل منطقة ليلبي احتياجاتها، مع مراعاة قدرة تطوير التصميم بعد سنوات وإعادة بناء خواصه تزامناً مع الاشتراطات الجديدة للانبعاثات وهو ما يجعل المدة الزمنية لإغلاق تمويل هذه المشاريع طويلة ومجهدة".

وأضاف "أن الميزة الكبرى في هذا المشروع أن مخرجاته كافة يتم استخدامها من الناحية التجارية، إذ يتم بيع الرماد الناتج عن تسييل الفحم لشركات رصف الطرق، وتجميد نسب الملوحة التي تستخرج منه وتباع، ومن ناحية كفاءة التشغيل، إذ يمكن عبره التخلص من 97٪ من غازات الكبريت السامة الناجمة عن استخدامات الغاز أو أنواع الوقود الأخرى".

مجمع "حصيان" في دبي

وتزامناً مع التجربة الدولية، شرعت هيئة مياه وكهرباء دبي "ديوا" ببناء مجمع "حصيان" للطاقة بتقنية الفحم النظيف"السائل" في نوفمبر 2016 الشبيه بمحطة "مانجنج 4" في ماليزيا، ضمن مشروع مشترك بين "ديوا" بحصة 51٪ وشركة "أكوا باور هاربين" القابضة المكونة من "أكوا باور" السعودية و"هاربين إلكتريك" الصينية بنسبة 49٪.

ومن المقرر أن يبدأ تشغيل أول وحدة للمشروع عام 2020 ويتكون المشروع من 4 وحدات بقدرة صافية تبلغ 600 ميغاوات لكل منها وسينتج المشروع بأكمله 2400 ميغاوات وستشكل 20٪ من مزيج الطاقة المستقبلية في دبي.

وبحسب بيان الشركة، فقد بلغ إجمالي الاستثمارات في هذا المشروع نحو 3.4 مليارات دولار، وانقسم تمويل المشروع بشكل محدود بين مجموعة من التمويلات الكبيرة المضمونة، وشريحة تمويل متوسّط المخاطر.

وتشمل البنوك والمؤسسات المالية المساهمة في هذه العملية: البنك الصناعي والتجاري الصيني، بنك الصين، بنك الصين الزراعي، بنك التعمير الصيني، صندوق طريق الحرير، بنك الخليج الأول، بنك الاتحاد الوطني، البنك الأهلي، بنك ستاندرد تشارترد، البنك التجاري الدولي، وبنك الإمارات دبي الوطني"

ويعتبر المجمع رمزاً لشراكة الطاقة الخضراء بين الصين والإمارات ومشروعاً مشتركاً لدعم مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام 2013.

وتسعى هيئة كهرباء ومياه دبي من خلال هذا المشروع إلى تحقيق استراتيجية دبي للطاقة النظيفة، حيث يعد إنتاج الكهرباء باستخدام الفحم النظيف جزءا من مزيج الطاقة في دبي الهادفة لتنويع مصادر الطاقة لتشمل 61٪ من الغاز، 25٪ من الطاقة الشمسية، 7٪ من الفحم النظيف و7٪ من الطاقة النووية بحلول 2030.

وكشفت ديوا أن “فكرة استخدام الفحم النظيف (السائل) تعتمد على الاتفاق مع إحدى شركات تسييل الفحم من حالته الحجرية إلى الحالة السائلة، واستيراد السائل منها، واستخدامه في توليد طاقة الهيدروجين التي عبرها يتم إدارة وتشغيل توربينات خاصة لتوليد الطاقة الكهربائية تعمل بالهيدروجين”.

وقال سعيد محمد الطاير، الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، في وقت سابق إن مشروع استخدام الفحم سيشمل دراسات وتوصيات لتوليد الكهرباء بالاعتماد على تقنيات متقدمة تم استخدامها تجارياً مثل مراجل الفحم الحجري المسحوق، ومراجل الفحم الحجري بنظام الدورة المركبة المتكاملة لتحويل الغاز، وتتيح هذه التقنيات عزل وخزن وجمع غاز ثاني أكسيد الكربون، والكبريت من محطات توليد الطاقة العاملة بالوقود الأحفوري، أو مرافق الإنتاج وخزنه على عمق كبير في باطن الأرض، وستتبنى الدراسة تقنيات لاستخلاص وتخزين الكربون وسياسة الاستخدام الكفؤ للطاقة الذي يمثل أحد الأهداف الاستراتيجية لدبي باعتباره السبيل الأمثل لخفض البصمة الكربونية”.

وأوضح الطاير أن "دبي يمكنها أن تصبح مثالاً لبقية دول العالم في إثبات أن الاعتماد على الفحم في إنتاج الطاقة غير مرتبط بالآثار البيئية السلبية الناتجة عن التلوث، بل على العكس من ذلك، يمكن إنتاج طاقة نظيفة عن طريق تكنولوجيا متطورة يمكنها توليد الكهرباء من الفحم والتقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون ما قبل عملية الاحتراق وعزله مما يؤدي إلى انبعاثات منخفضة للغاية".

وتعد الاشتراطات الفنية التي حددتها الهيئة للمشروع من جهة انبعاثات غازات المداخن أكثر صرامة من تعليمات الانبعاثات الصناعية ضمن الأدلة الإرشادية للاتحاد الأوروبي ومؤسسة التمويل الدولية. وسيتم تنفيذ مشروع مجمع حصيان وفق نظام المنتج المستقل(IPP) على أساس البناء والتشغيل والتملك (BOO). حيث تقدم الائتلاف بأفضل سعر للتكلفة التناسبية للطاقة قدره 4.241 سنت دولار/كيلووات، وذلك على أساس أسعار الفحم الحالية ".