العدد 3565
الخميس 19 يوليو 2018
banner
“برافو يا امرأة”
الخميس 19 يوليو 2018

ما إن أطلّت رئيسة كرواتيا كوليندا غرابار كيتاروفيتش على المشهد الكروي في كأس العالم، حتى اختطفت الأبصار، وصارت واحدة من أيقونات البطولة، ودارت حولها الكثير من القصص، وصارت لدينا في وطننا العربي، واحدة من الأساطير التي نجلد أنفسنا بسببها، ونحقّر ما نقوم به تجاه ما تقوم به، ونسبغ على أنفسنا صفات تبعدنا عن الآدمية، بل ربما تفضل الكلاب على كثيرٍ ممن لبس الثياب، وذلك في نظرتنا المشرقية المتخمة بالشبق الجنسي حيال المرأة، وهذا من أسباب تدلي الفكّ الأسفل لكثير من الناس ما إن تظهر السيدة الرئيسة!

في الوقت الذي أعتقد فيه أن غالبية الناس لا تعرف أنّ اسمها كيتاروفيتش، فأطلقوا عليها “رئيسة كرواتيا”؛ فإنهم أدنوها من مقام الأولياء والصالحين حين تم التناقل عنها أنها باعت الطائرة الرئاسية، و35 سيارة مرسيدس تخصّ ديوان الرئاسة، وتتنقل إلى روسيا لحضور مباريات منتخب بلادها في روسيا بالتذكرة السياحية، وتحضر المباراة مع الجماهير وليس في المقصورة الرئيسية، والتي لا تذهب إليها (يا حرام) إلا بعد الكثير من الإلحاح والرجاءات من المنظمين... فترضخ مضطرة!

فإذا ما تغلغل في النفوس ما راج عن الرئيسة كيتاروفيتش (الذي أجد صعوبة في كتابته فضلاً عن حفظه)، فهذا يعني أن نصائح مستشاريها أينعت ثمارها، فأيّة بلاد هذه ينقذها من أزمتها الاقتصادية ثمن 35 سيارة مرسيدس مستعملة، وكم ملياراً ستحتاج البلاد لكي تتوفر من بيع الطائرة الرئاسية؟ إن أي مبتدئ في المتابعات السياسية سيدرك أنها الحيلة التي تنطلي في الغالب على المعذبين في الأرض، والموسوسين في الصدر، والذين يجرون لتعظيم هذا النوع من “الإنجازات” الشكلية، التي ما اتخذت إلا للتغطية على مشكلات أكبر وأكثر أهمية، كمن يصطنع مناوشات أو المبادرة لخلق مشكلة من أجل صرف الأنظار عن مشاكل أخرى أكبر.

وفي المقابل، إن المبالغة في تسخيف الذات العربية بانشدادها المبالغ للمرأة، سيبدو غير صحيح، فمن نقل أحداث بطولة كأس العالم، وصوّرها، وروّجها، وركز عليها، ولاحق الرئيسة كيتاروفيتش في كل حركاتها وسكناتها، هو الإعلام الغربي، وما نحن إلا متلقين لما ينتجون، فالحال نفسها تقريباً، ولكن أقل وهجاً وزخماً، حدثت في كأس العالم الماضية في البرازيل، حينما التقت أربعة منتخبات هي الأرفع عالمياً في دورة 2014، وعلى سدة الحكم في كل من البرازيل، وهولندا، والأرجنتين، وألمانيا، امرأة، وقيل ما قيل عن نجاح المرأة في عالم السياسة والرياضة مقابل فشل الرجال في كل جوانب الحياة، وهذا أيضاً ليس من الترويج العربي، ولا بسبب النظرة “الجنسوية العربية”، إنما صنيعة الإعلام الذي يحرك، ويخدم، ويهدم، ويسدّ ويخرم، ويشيطن ويقدّس من يجيد التفاعل والتعامل معه، والحظوظ أقوى، والرواج أسرع إذا كان الموضوع امرأة لها نصيبٌ من الجمال، فليس لنا إلا الإشادة بقدرتها على الاستحواذ على اهتمام الإعلام وخلق أجواء إيجابية عن نفسها، وفي هذا الأمر دروس لمن أرادوا أن يأخذوا حظاً من الاهتمام العالمي للترويج لأمر ما، أو الترويج المضاد!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية