العدد 3562
الإثنين 16 يوليو 2018
banner
بعد الإفاقة من كأس العالم
الإثنين 16 يوليو 2018

حينما يُنشر هذا المقال، تكون منافسة القمة بين فرنسا وكرواتيا قد انتهت إمّا بترصيع الأولى نجمة ثانية فوق ديكها الفصيح، أو أن تحيك الثانية نجمتها الأولى أعلى الشعار الكرواتي ذي المربعات الحمراء والبيضاء، وهذا حال بطولة كأس العالم الذي لا يوفر إلا مكاناً واحداً على أعلى القمة.

وعلى الرغم من المتعة التي يشعر بها مليارات من البشر جراء متابعتهم هذه اللعبة الشعبية الأولى في العالم، إلا أن وراء هذه اللعبة التي كانت تلعب في الأزقة والحواري، ويلعبها الأطفال حفاة وشبه عراة في الكثير من الدول الفقيرة، وراءها الكثير من القصص التي بدأت تتعقد على مرّ السنوات، لأنها ما عادت “لعبة شعبية”، ولكن تقف وراءها عوامل النفوذ العالمي الكثيرة، وإبراز الحضور سياسياً، وذلك بدءاً من التسابق على الترشح للفوز باستضافة هذه المسابقات، والحديث الدائم عن الرِّشا والفساد في أجواء الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، والفضائح المالية التي كشف عنها والتي لا تزال حبيسة الأدراج، صحيح أنها توفر أموالاً للمدن المستضيفة، وأنها تجعل البلد المستضيف مقصداً للعالم بأسره على مدى ثلاثين يوماً، لكن الأمر يتعدى الأموال والسياحة، وصولاً إلى السياسة.

وإلا ما الذي يجعل بلداً لا تعني له اللعبة الكثير، كالولايات المتحدة، تتنافس للفوز باحتضان التصفيات، حتى أن قنوات تلفزيونية اضطرت لأن تشرح للجمهور كيف يأتي الهدف، وكيف يفوز الفريق لأن الشريحة الأكبر من الجمهور لا يعرفون الكثير عن هذه الرياضة.

أما قصة اليابان مع كرة القدم فهي أحد النماذج التي تحتذى، فعلى الرغم من تأسس الاتحاد الياباني لكرة القدم سنة 1921، إلا أنه قرر في الثمانينات أن يكون لليابان مكان على الخريطة العالمية، لأنه أراد تعزيز قوته الاقتصادية، بالسمعة والنفوذ، فأرسل مجموعة كبيرة من اللاعبين الصغار ليأخذوا حصة من الفنون البرازيلية، وعزز شغف اليابانيين بهذه اللعبة عبر أفلام الرسوم المتحركة، واستقدم أحد أساطير البرازيل وهو اللاعب السابق زيكو ليتولى تدريب المنتخب، حتى استطاع هذا المنتخب الذي يعتبر محطة استراحة للفرق المتنافسة قارياً، رقماً صعباً، وبات يفوز ببطولة كأس آسيا، وينافس بقوة لا يستهان بها للوصول إلى الأدوار المتقدمة في كأس العالم.

في هذا المونديال، تم التأكيد مجدداً على أن الرياضة بعمومها، وكرة القدم بخصوصها ما عادت لعبة الموهوبين والفلتات، إنه العلم والدأب والتخطيط والنفس الطويل، فمنذ العام 1962 والكأس تنتقل مرة إلى أميركا الجنوبية ومرة إلى أوروبا، هكذا بالتبادل، ولكن ما إن أخذ العلم مكانه ومكانته في العالم الرياضي، وتحولت الكرة إلى مخططات ونسب مئوية وحسابات، وتغذية ومواعيد وإعداد بدني وجرعات نفسية تأخذ مكانها الأساس في الرياضة، حتى بانت الفوارق بين التنظيم والفوضى، بين المهارات والتخطيط الذي يكسب في النهاية المباريات، ويصل إلى الكأس، فللبطولة الرابعة (16 عاماً) لم يفز منتخب أميركي جنوبي بالكأس، بل تم إقصاء جميع العمالقة المنافسين منذ دور الثمانية ليغدو الدور ربع النهائي الأخير أوروبياً صرفاً.

قد تكون لدى الشعوب مواهب، ولكنها لن تقف أمام العمل العلمي المنظم، قد تفقد اللعبة لمساتها الجميلة الساحرة، ولكن التاريخ سيكتب من فاز وليس من لعب بشكل أجمل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية