+A
A-

سيناريوهات للحرب التجارية الشاملة بين أميركا والصين

فيما يبدو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، يراهن كثيرا على أن تتراجع الصين وترفع الراية البيضاء في الحرب التجارية التي اندلعت مؤخرا بين البلدين، وعلى الرغم من أن هذه النتيجة بعيدة عن أن تكون مضمونه، إلا أن ذلك الأمر وإن حدث فإنه سيستغرق بعض الوقت.

وتعرف الحرب التجارية بأنها نزاع اقتصادي ناتج عن إجراءات حمائية مبالغ فيها، حيث ترفع فيها الدول أو تنشئ تعريفات جمركية أو غيرها من الحواجز التجارية ضد بعضها بعضا استجابة للحواجز التجارية التي أنشأها الطرف الآخر، أو بداعي حماية منتجاته الوطنية.

ترمب قال، الجمعة الماضية، إن أميركا ستفرض رسوما جمركية على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار، حيث ستطبق الرسوم على 1000 سلعة، وستدخل حيز التنفيذ في 7 يوليو المقبل.

وهدد ترمب برفع المبلغ أعلى من ذلك إذا ما قامت الصين بالرد، وهو ما تعهدت به بكين بسرعة.

وردت الحكومة التي يديرها الحزب الشيوعي بقائمة من السلع التي تم تحديدها للتعريفات، بما في ذلك السيارات والمنتجات الزراعية، والتي يمكن أن تسبب أضرارا سياسية للجمهوريين.

وفرضت الصين رسوماً جمركية إضافية قدرها 25% على منتجات أميركية بقيمة 50 مليار دولار، وستطبق الرسوم أيضا على واردات السيارات والمأكولات البحرية.

وقال الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر في مقابلة مع شبكة "فوكس للأعمال" بعد الإعلان عن فرض التعريفات "نأمل أن لا يؤدي ذلك إلى رد فعل متسرع من الصين، ونأمل في المزيد من المفاوضات، وأن يؤدي ذلك إلى أن تغير الصين سياساتها"، بحسب موقع Moneyweb.

وتستهدف الولايات المتحدة معاقبة الصين على انتهاك حقوق الملكية الفكرية الأميركية، كما يرغب ترمب في خفض العجز التجاري الأميركي فيما يتعلق بالبضائع مع الصين والذي يبلغ 376 مليار دولار.

وقالت مستشارة الأمن القومي السابقة للرئيس باراك أوباما، سوزان رايس، يوم الأحد: "لدينا أسباب مشروعة للغاية للقلق بشأن الممارسات التجارية الصينية، لكن طريقة حل هذه المشكلة ليست على حساب العمال والمصنعين الأميركيين والمزارعين عبر الدخول في حرب تجارية".

مسلسل التصعيد في الحرب التجارية يعتمد على مدى رضا ترمب عما ستحققه هذه الرسوم من أهداف، حيث هدد بالفعل بفرض رسوم جمركية على بضائع صينية إضافية بقيمة 100 مليار دولار.

ويقترب المسؤولون الأميركيون من استكمال قائمة المنتجات التي ستغطي هذا المبلغ، وفقا لما ذكره شخصان مطلعان، مما يعني أن الإدارة الأميركية يمكن أن تصعد من النزاع في غضون مهلة قصيرة. وتقول الإدارة إنها تضع قيودًا على الاستثمار الصيني، وإنها ستعلن عن هذه المقترحات في 30 يونيو الجاري.

وقال المختص بالشؤون الصينية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن سكوت كينيدي "السؤال هو هل تريد إدارة ترمب بالفعل التفاوض مع الصين، أم تريد الاستفادة من جانب واحد، وبعد ذلك فقط يمكن أن تبدأ مفاوضات جادة مع الصينيين في واشنطن".

وفيما يلي أربعة سيناريوهات يمكن أن تتحقق في الأسابيع والأشهر القادمة:

أولا: تراجع كلا الجانبين

قبل نحو أقل من شهر بدا هذا ممكنًا، عقب المحادثات بين الدولتين في واشنطن، حيث قال وزير المالية ستيفن منوشين إن الإدارة "ستضع الحرب التجارية في وضع"، ولن تفرض الرسوم. وهنا نما الأمل في أن تقبل الولايات المتحدة زيادة متواضعة في مشتريات المنتجات الأميركية من الصين. لكن وفي غضون أيام تراجع الرئيس ترمب في المحادثات.

ويبدو الآن أن الهدنة قصيرة الأجل غير محتملة الحدوث، حيث قال الجمعة مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن الولايات المتحدة تبحث عن تغييرات هيكلية في الطريقة التي تتعامل بها الصين مع التكنولوجيا، حيث تريد الإدارة الأميركية من بكين التوقف عن إجبار الشركات الأميركية على نقل المعرفة، وسرعان ما جاء الرد من الصين التي قالت إنها لن تقبل بتغييرات كبيرة في مخططها للصناعة في الصين لعام 2025.

ثانيا: تراجع الصين

دافع الرئيس الصيني شي جين بينغ عن نظام التجارة العالمي القائم، حيث سعت الحكومة إلى هندسة التباطؤ التدريجي الذي يزيد من التركيز على الإنفاق الاستهلاكي، ويمكن أن تعرقل الحرب التجارية إدارة بكين الحذرة للاقتصاد، والتي أظهرت علامات عن ضعف الأداء في مايو الماضي.

وفي هذا السيناريو الذي يعتبر الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة، ستتراجع الصين عن قضايا التكنولوجيا وتفتح سوقها أمام المزيد من السلع والخدمات الأميركية.

وقال رود هنتر، وهو شريك في شركة بيكر ماكنزي للمحاماة: "إذا كنت مفاوضاً تجارياً ، إلى حد ما، فإن ترمب يمتلك ميزة كبيرة لأن الجميع يعرف أنه سيفرض التعريفات الجمركية ويعطي المفاوض التجاري الكثير من النفوذ".

ثالثا: تراجع الولايات المتحدة

دائما ما يفخر ترمب ببراعة التفاوض، حيث شارك في تأليف كتاب بعنوان "فن الصفقة" أو The Art of the Deal، والذي يصف فيه ترمب كيف حصل على تنازلات في معاملاته العقارية.

ولكن سجل ترمب في التفاوض كرئيس يختلف عنه كرجل أعمال، كما أن الضغط الأميركي لإصلاح اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية أصبح في طي النسيان.

ويقول منتقدون إن ترمب لم يكتب الكثير من اجتماعه البارز مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون. من المحتمل جداً أن تطلق الصين اسم "خدعة ترمب"، ومعرفة مدى تمتع الرئيس بسوق أسهم متصاعدة واقتصاد أميركي قوي.

المدير الإداري ورئيس قسم التحليل السياسي في شركة Evercore ISI تيري هينز قال لتلفزيون بلومبرغ "ما يشير إليه ترمب هنا هو أنه لا يريد مواصلة المفاوضات فحسب، بل إنه يرغب في حلها في المدى القصير بدلاً من المدى الطويل".

رابعاً: الحرب التجارية الشاملة

هناك سبب للاعتقاد بأن الولايات المتحدة والصين لن تحلا هذه المشكلة قريبًا، وقد تتصاعد الأمور بسرعة، فلا أحد يريد أن ينظر إليه على أنه ضعيف. استلم ترمب السلطة وهو في أوج جاذبيته، وسرعان ما تضررت بعض الولايات بشدة من العولمة. مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر، يتعرض للضغوط لتهدئة قاعدته السياسية.

وفي المقابل يعتبر تحويل الصين إلى شركة رائدة في مجال التكنولوجيا العالمية جزءًا أساسيًا من خطة الرئيس الصيني الاستراتيجية طويلة المدى.

وإذا كان ترمب يدفع باتجاه إجراء تغييرات منهجية على النموذج الاقتصادي الأساسي للصين، فقد يخبئ المستقبل فترة طويلة من التوترات بين البلدين. وقد حثت الإدارات الأميركية السابقة بكين على تخفيف الرقابة على الصناعات مثل صناعة الصلب.

وتقدر Bloomberg Economics أن الحرب التجارية سيكون لها تأثير مباشر محدود على النمو في كلا البلدين، لكن هذا يمكن أن يتغير إذا أضر الصراع برجال الأعمال وثقة المستهلكين.

وقال العضو المنتدب في شركة روك كريك غلوبال مايكل سمارت "يمكن أن تكون الحرب التجارية والتي بدأت بمناوشات بسيطة معركة شاملة مع كثير من الأضرار الجانبية للعمال الأميركيين والمزارعين والمستهلكين، ولم نصل إلى ذلك بعد، لكنه أمر مخيف، لأنه يبدو أننا نسير في طريق صراع كبير، ومن الصعب رؤية المنحدر".